وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

القدر يبتسم لـ«أوبك»

الكثير منا سيستيقظ اليوم على قرار لـ«الفيدرالي الأميركي» وعلى الأرجح سيكون قراراً برفع الفائدة، وهو قرار قد يزيد من قوة الدولار، ولكنه في الوقت ذاته سيزيد من تكلفة استيراد النفط على الدول التي تدفع بالدولار؛ إذ إن دولار أقوى معناه نفط أغلى.
هل سيهدد هذا الطلب على النفط؟ نظرياً هذا أمر جائز، ولكن فعلياً لا أحد يستطيع الجزم لأن أساسيات السوق قوية جداً لدرجة يستحيل معها التفكير في سيناريو غير ارتفاع الأسعار.
وهنا اسمحوا لي ببعض الشرح عن ما يجري على الأرض في سوق النفط، وهو ما يعبّر عنه الجميع بكلمة الأساسيات. والأساسيات ببساطة هي العرض والطلب على هذه السلعة الاستراتيجية التي ارتفعت أسعارها بصورة كبيرة مؤخراً، ولكنها ارتفعت بنسبة أقل من الغاز الطبيعي أو الفحم.
إذا تحدثنا عن العرض، فإن العالم سيضيف هذا العام نحو 95 مليون برميل يومياً من النفط (29.5 مليون برميل من «أوبك» والباقي من خارج المنظمة).
ولننتقل إلى جانب الطلب (وهو الجانب الأكثر إثارة للجدل)، حيث من المتوقع أن يصل الطلب إلى 100 مليون برميل يومياً بنهاية العام. وقد يزيد الطلب إذا ما أخذنا في الاعتبار شتاءً قاسياً في أوروبا في ظل عدم وجود غاز ونفط من روسيا.
هذا يعني أن هناك فجوة بنحو 5 ملايين برميل يومياً بين العرض والطلب، وهذه الفجوة للأسف لن يتمكن العالم من ردمها بسهولة.
هناك حلول مثل اللجوء إلى الاحتياطيات الاستراتيجية للدول والمخزونات التجارية للشركات؛ مما سيجعلها تشهد تراجعاً للعام الثالث على التوالي منذ أن بدأ العالم في الخروج من أزمة «كورونا».
فهل ستكون «كورونا» هي الأزمة الوحيدة أم ستكون هناك أزمة أخرى بسبب الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا؟ مع الصراع الروسي - الأوكراني أو من دونه، فإن العالم متجه إلى أزمة نفطية، بحسب ما لمح إليه الرئيس التنفيذي لـ«أرامكو السعودية» أمين الناصر قبل أيام في كلمته التي ألقاها في مؤتمر في سويسرا.
لقد كان الناصر شفافاً وواضحاً ومتصالحاً مع الذات عندما قال للعالم، إن الأزمة التي تعيشها أوروبا هي ليست أزمة قصيرة الأجل، بل أزمة طويلة الأجل بسبب السياسات غير الناضجة للتحول بعيداً عن النفط والغاز إلى البدائل.
وهنا سأقول، إن القدر يبتسم لـ«أوبك» لأن أسعار النفط مهما كنا متشائمين ستظل عالية على الأرجح خلال الفترة المقبلة؛ إذ لا يوجد حتى اليوم استثمارات كافية في النفط والغاز (في الواقع الاستثمارات في تراجع كبير خلال السنوات العشرة الماضية).
وهذا ليس بالخبر الجيد إذا ما نظرنا لمعدلات النضوب والتراجع في الحقول النفطية التي زادت في العام الماضي بأكثر من المعدلات المتوقعة.
وحتى تكون الصورة واضحة أمام الجميع فإن أوروبا ليست قادرة على إيجاد مصادر بديلة للغاز بسهولة بعد قطعها العلاقات مع روسيا، وحتى وإن انتهى الصراع الروسي - الأوكراني، فإن أوروبا على الأرجح ستواصل سياستها في الابتعاد عن الغاز الروسي؛ مما يعني هجرتها إلى النفط والسوائل في السنوات التالية.
إن العالم كان يريد البعد عن النفط، ولكن الظروف أجبرته على العودة إليه والآن سيبتسم القدر لـ«أوبك»، فماذا ستفعل «أوبك» بكل هذا الحظ؟ هل ستنفق «أوبك» هذه الأموال أم تستثمرها في بناء مستقبل جديد بعيد عن النفط؟
في نظري، هذه هي المرة الأخيرة التي سيبتسم فيها القدر لـ«أوبك»؛ ولهذا على الجميع التفكير بعمق في المستقبل.