روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

بايدن يجري حساباته بخصوص إيران والانتخابات الأميركية

نعاين اليوم مأزقاً جديداً في المفاوضات حول تجديد اتفاقية 2015 التي تحد من البرنامج النووي الإيراني. ويضغط أعضاء بالكونغرس على إدارة بايدن لعدم تقديم أي تنازلات.
في الواقع، لا يرغب كثير من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس في إبرام أي اتفاق مع إيران. وأرسلت مجموعة مكونة من خمسين نائباً في مجلس النواب، بينهم 34 من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن، في الأول من سبتمبر (أيلول)، رسالة إلى الرئيس تشرح أربعة اعتراضات على الاتفاق النووي الجديد المحتمل مع إيران.
-أولاً: اشتكى النواب من أن الاتفاق سيخفف القيود المفروضة على قدرات الإنتاج الإيرانية عام 2025.
-ثانياً: حذروا من أن تنفيذ الاتفاق سيعتمد على روسيا، ولا يمكن الوثوق بروسيا.
-ثالثاً: يصر النواب على ضرورة أن تنجز الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقاتها في الأنشطة الإيرانية المشبوهة في المواقع النووية الثلاثة قبل أي تقليص للعقوبات الأميركية ضد إيران.
رابعاً وأخيراً: اشتكى النواب من أن الاتفاق سيتيح لإيران الحصول على نحو 100 مليار دولار يمكن أن تستخدمها في تمويل الجماعات الإرهابية.
من جهتها، تمارس إسرائيل ضغوطاً مكثفة في هذا الشأن داخل واشنطن. ويزور وزير الدفاع بيني غانتس واشنطن مرة أخرى هذا الشهر. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل غالباً ما تستخدم الحجج الأربع نفسها الواردة في خطاب النواب المؤرخ في الأول من سبتمبر (أيلول).
وفي تصريحات صحافية، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، روبرت مينينديز، للصحافة، إن إدارة بايدن ستعرض أي اتفاق جديد مع إيران على الكونغرس للمراجعة. وبطبيعة الحال، ثمة زاوية سياسية داخلية أميركية هنا مع اقتراب الانتخابات التشريعية في 8 نوفمبر (تشرين الثاني).
ومن المحتمل أن يرفض مجلس النواب أي اتفاق مع إيران، لأن 34 عضواً ديمقراطياً على الأقل يعارضونه. وعليه، سيتحول مجلس الشيوخ بأعضائه الـ 100 إلى ساحة المعركة الرئيسية. ومن المحتمل أن يصوت جميع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الـ 50، أو جميعهم تقريباً، لصالح عرقلة إبرام اتفاق جديد مع إيران.
وفي ظل وجود حوالي 10 من أعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين، فإنه قد تتكون أغلبية من 100 عضو داخل المجلس لإلغاء الاتفاق، ربما عن طريق إعاقة مساعي تخفيف العقوبات. ومع ذلك، في هذه الحالة، ثمة احتمال كبير في أن يستخدم الرئيس بايدن حق النقض ضد قرار الكونغرس النهائي، من أجل إنقاذ الاتفاقية التي تفاوض بشأنها فريقه.
وطبقاً للدستور، يجب أن يصوت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ والنواب لصالح تجاوز نقض الرئيس (وبالتالي عرقلة الاتفاق مع إيران). وبالتالي، في مجلس الشيوخ، سيحتاج هذا التصويت لتجاوز «فيتو» الرئيس إلى أصوات 50 من الجمهوريين و17 من الديمقراطيين. ويبدو هذا أمراً غير محتمل. يذكر أن هناك بالفعل ما لا يقل عن 11 ديمقراطياً يدعمون عقد اتفاق جديد مع إيران.
بالإضافة إلى ذلك، سيذكِّر بايدن، زعيم الحزب الديمقراطي، أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين بموقفه المتشدد تجاه الحرس الثوري الإيراني وتحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسيحث على وحدة الصف داخل الحزب الديمقراطي.
من جهته، يبرع بايدن في هذا النوع من الضغط التشريعي. لهذا السبب، اعترف السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، وهو معارض رئيسي لاتفاق نووي مع إيران، بأن الكونغرس ربما لا يستطيع إيقاف إبرام اتفاق جديد مع إيران.
ثمة خطر واحد على إدارة بايدن في هذا السيناريو. فبعيداً عن قضية إيران، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى الفوز بمزيد من مقاعد مجلس الشيوخ في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) من أجل السيطرة على المجلس بشكل مريح والانطلاق في تنفيذ الأجندة المحلية للحزب الديمقراطي.
أما مسألة عقد اتفاق مع إيران في حد ذاتها، فلن تمثل مشكلة كبيرة للناخبين الأميركيين، وذلك لعدد من الأسباب. أولاً: أظهر استطلاع للرأي العام أجراه مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية في أواخر يوليو (تموز)، أن 59 من الأميركيين يؤيدون تجديد الاتفاق مع إيران. ثانياً: يركز الناخبون الأميركيون اهتمامهم على الاقتصاد والقضايا الاجتماعية. ومع ذلك، فإن أعضاء مجلس الشيوخ الذين يصوتون لدعم الاتفاق الجديد مع إيران، في أواخر سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول)، قد يخاطرون باستفزاز جماعات الضغط التي تعارض الاتفاق الإيراني لتقديم تبرعات مالية لخصومهم في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية. ويمكن للمال في بعض الأحيان تغيير نتيجة الانتخابات القريبة، ويواجه الحزب الديمقراطي ما لا يقل عن خمسة سباقات انتخابية تشهد منافسة حامية الوطيس لنيل عضوية في مجلس الشيوخ.
وإذا قبلت إيران فجأة الشروط الأمريكية في المفاوضات، فإنه قبل المضي قدماً، سيتشاور بايدن مع زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تشارلز شومر (الذي عارض في الماضي الاتفاق النووي الإيراني)، وشخصيات أخرى من الحزب الديمقراطي، حول التوقيت داخل الكونغرس. وفي 5 سبتمبر (أيلول)، توقع ليندسي غراهام أن يتخذ بايدن الخيار السياسي المحلي الأكثر أماناً، وأن ينتظر حتى ما بعد انتخابات 8 نوفمبر (تشرين الثاني) قبل إبرام صفقة مع إيران.
من جهتهم، يتوقع مسؤولون إسرائيليون أن إيران لن تقدم المزيد من التنازلات لبايدن، وأنه ليس ثمة احتمال للتوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الأميركية. أما السؤال الأكبر فهو ما إذا كان سيظل من الممكن التوصل إلى اتفاق مع إيران بعد 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، أم أن إدارة بايدن، مثلما يريد البعض في إسرائيل وواشنطن، ستتحول إلى موقف عسكري أقوى للضغط على إيران. وليس من قبيل المصادفة أن الأميركيين قصفوا الميليشيات الموالية لإيران في سوريا في 24 أغسطس (آب)، وفي 4 سبتمبر (أيلول)، في الوقت الذي حلق عدد من القاذفات الأميركية من طراز «بي ـ 52» بالقرب من إيران، في تحذير واضح.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»