إذا أمعنت النظر في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في العراق وسوريا لفترة كافية، ستجد أن المشهد برمته يشبه إلى حد كبير فيتنام. وبإمكان الولايات المتحدة إما أن تتعلم من هذه التجربة أو تسارع بالخروج الآن.
أما الرئيس أوباما، فكعادته، يبدو وكأنه يرغب في فعل الأمرين معًا. الملاحظ أن اسم فيتنام يظهر باستمرار من حين لآخر. على سبيل المثال، ذكر الجنرال أنتوني زيني، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، فيتنام منذ أيام قلائل خلال حديث له عبر برنامج «نيوز أور» على قناة «بي بي إس»، خلال مناقشته ما الذي ينبغي عمله حيال «داعش». وقال: «أعتقد أن الأمر أشبه بتكرار الوضع مع فيتنام قبل إرسالنا قوات برية إلى هناك، فنحن نبعث بالمزيد والمزيد من المستشارين والدعم بأسلوب التقطير». والكلمة المفتاحية هنا هي «التقطير»، ذلك أنها تحولت لعقيدة لدى الولايات المتحدة.
من المقرر أن «يقطر» البيت الأبيض الآن 450 مستشارًا عسكريًا إضافيًا إلى داخل العراق. وما زال الغموض يكتنف الهدف من وراء هذا الإجراء، ذلك أن هذا العدد ضئيل للغاية بدرجة لا تؤهله لأن يبث في الجيش العراقي الرغبة اللازمة للاستمرار في القتال والامتناع عن الفرار أمام العدو. كما أنه ضئيل للغاية على نحو لا يمكنه من إقناع العراقيين بأنهم ينتمون إلى جيش وطني، وليس مجموعة تمثل طائفة دينية أو قبيلة.
وحسبما يكشف الوضع الراهن، فإن الأميركيين لن يخوضوا المعارك مع العراقيين، مكتفين بتوجيههم حيال كيفية خوض المعارك. كما أنهم لن يكونوا في الموقع المناسب واللحظة المناسبة التي تمكنهم من استدعاء ضربات جوية، والتي حتى الآن تفوت أهدافها أكثر من إصابتها، حسبما يرى الكثيرون. ولا يعني ذلك أن هذه الضربات الجوية لا تلحق أضرارًا بالطرف المستهدف، وإنما المشكلة أنها لا تسبب أضرارًا كافية. ومنذ بدء الضربات الجوية، وسع «داعش» مساحة المنطقة التي يسيطر عليها، وضم إليها الرمادي، ما يكشف أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ.
ويبدو حتميًا أن الخطة الحالية ستنتهي بدخول الأميركيين للمعركة إلى جانب العراقيين، مع العمل على توجيه ضربات جوية أكثر دقة. ويفترض أن ذلك سيخلق اختلافًا على الأرض.
وينبغي أن يثير تشبيه الوضع الراهن بفيتنام القلق، خصوصا وأن هناك أيضا أسفرت خطوات صغيرة عن أخرى كبيرة، ثم اندلعت حرب برية طويلة خسرتها الولايات المتحدة. وهناك أيضا وقفنا إلى صف نظام فاسد أهدر ولاء شعبه له.
ومع ذلك، تبقى هناك اختلافات بين الحالتين، حيث حظي الشيوعيون في جنوب فيتنام، والذين عرفوا باسم «فيت كونغ»، بدعم فيتنام الشمالية التي أمدتهم بالرجال والعتاد. أما «داعش» فيفتقر إلى مثل هذا الحليف، ويضطر للاعتماد على المجندين المتوافدين عليه من مسافات بعيدة. وليس بإمكان فرق من المسلحين التدفق عبر الحدود لنجدته، مثلما حدث في حالة فيتنام.
ويبقى التساؤل هنا - مثلما كان الحال في فيتنام - ما إذا كانت هذه الحرب تستحق التضحية بأرواح الأميركيين فيها. كانت الإجابة في فيتنام، لا. لقد كانت تلك في جوهرها حربًا أهلية أسيء فهمها باعتبارها أشبه بأول حجر دومينو، حال تركه يسقط سيجر معه دولاً أخرى وصولاً إلى سان فرانسيسكو. الحقيقة أن هو تشي منه، لم تكن في ذهنه هذه الخطة قط.
أيضًا، تمثل الحرب ضد «داعش» حربًا أهلية - وحتى إن لم تكن حربًا أهلية بالمعنى الدقيق، فإنها تبقى حربًا داخلية. إلا أنه حال بقاء «داعش»، فإن الكيان الناتج عن ذلك من المحتمل للغاية أن ينقل الحرب إلى داخل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. إن قاطعي رؤوس الأبرياء ومستعبدي النساء لن يتوصلوا لتفاهم مع الغرب.
إن الجماعة ستستورد وتدرب ثم تصدر الإرهابيين. إنهم مجموعة من المتشددين المتطرفين الذين تمثل وحشيتهم المفرطة عنصر الجذب الرئيس لمن يسعون لإيجاد هدف لحياة بلا هدف. لذا فإن السؤال ليس إذا كان هذا القتال يستحق أن نخوضه، وإنما إذا كان يمكن تجنبه.
بيد أن النتيجة الحتمية لا يتعذر علينا الفرار منها، هي أن أوباما توصل من جديد لحل سياسي لمشكلة عسكرية. ومثلما فعل مع قرار زيادة أعداد القوات في أفغانستان عندما فرض موعدًا للانسحاب، فإنه يقوم الآن بعمل مشابه. بدأ أوباما بتحديد هدف القضاء على «داعش»، لكن هذا يبقى مجرد خطابات - مثل الخط الأحمر المزعوم في سوريا. أما ما يرغبه أوباما فعليًا فهو الوفاء بوعده بإنهاء الحرب في العراق، حيث ينصب جزء من اهتمامه على صورة الإرث الذي سيخلفه وراءه كرئيس.
بطبيعة الحال، يتعين علينا المضي بحذر. وإذا كان درس فيتنام لم يعلمنا بعد حمق التورط في حرب برية أمام عدو متحمس، فإن نزف الدماء الحالي في العراق يعلمنا ذلك بلا شك. إلا أنه من الممكن إلحاق الضعف بـ«داعش» جوًا ومقاتلتها برًا عبر القوات العراقية بدعم من الأميركيين. وسيحدث هذا الأمر عاجلاً أم آجلاً، فلماذا لا نفعله الآن؟.
* خدمة: واشنطن بوست
