اضطر عشرات الملايين من العمال إلى التأقلم مع العمل عن بُعد مع بداية الوباء، وبعد مرور أكثر من عامين، ما زلنا نناقش التوازن الصحيح بين العمل الشخصي والعمل الافتراضي. لا يزال العمال وأرباب عملهم يجربون لمعرفة ما هو الأفضل، والاستفادة القصوى من البيئة التي لا نوجد فيها بأنفسنا على الأرجح مع عدد كبير من زملائنا، كما كنا في الماضي.
يثير ذلك تساؤلاً حول الكيفية التي ينبغي للمراهقين -الذين يخططون لمستقبلهم بالعمل في مجالات الأعمال، والتمويل، والتكنولوجيا، والإعلام- أن يستعدوا بها، في حين أنهم لن يشهدوا تجربة ما قبل عام 2020 عندما كان أغلب الموظفين يعملون من المكاتب في أغلب الأوقات. وبرغم أن سوق العمل الضيقة قد تيسر الحصول على وظيفة من دون الالتحاق بالجامعة أكثر من أي وقت مضى، بالنسبة للصناعات التي تعتبر فيها قوة شبكة معارفك واتصالاتك من الأصول الرئيسية، سنجد أن الالتحاق بالجامعة يرجع بقيمة أكبر مما كان عليه قبل الوباء.
تلك هي نتائج بحث جديد نُشر في دورية «نيتشر»، يظهر أين يمكن للأشخاص من ذوي الدخول المختلفة تكوين الصداقات. الأشخاص من ذوي الدخل المنخفض يميلون إلى كسب معظم الصداقات في أحيائهم السكنية، في حين يميل الأشخاص من ذوي الدخل العالي إلى كسب معظم الصداقات في الجامعة.
لا يحتاج الأطباء والمحامون المستقبليون لمزيد من الاقتناع بمزايا الالتحاق بالجامعة؛ إنهم يواصلون عدة سنوات من الدراسات العليا لما بعد التخرج. لكن بالنسبة لمهن أخرى ذات أجور عالية، هناك أمل في أنه من خلال تخطي الجامعة والانخراط المباشر في سوق العمل، يمكن للمرء أن يصعد في مراتب أعلى عبر الوقت، من خلال التواصلات في العمل وإظهار قدراته وإمكاناته الحقيقية أمام الرؤساء والمديرين.
كان هذا المسار صعباً بالفعل، ولكنه أصبح أكثر غموضاً مع تكيف الصناعات ذات المهارات والدخول المرتفعة مع الوضع المعتاد الجديد للعمل الهجين (المختلط) والعمل عن بُعد. ربما يتوق 20 شخصاً للحضور إلى المكاتب كل يوم للتواصل واكتساب المهارات، ولكن إذا كان الموظفون الأكبر سناً والأعلى مرتبة يعملون من المنزل في بعض أو معظم الوقت، فلن يتمكن هؤلاء الأشخاص الأصغر سناً من الوصول إلى القدر نفسه من بناء العلاقات التي حصل عليها الموظفون الذين حققوا أغراضهم المهنية قبل عام 2020.
إذا كان بناء شبكات التواصل وتكوين الصداقات في العمل سيصبحان أكثر صعوبة في المستقبل، فإن ذلك يرفع القيمة النسبية للأماكن التي أظهرت فاعلية في تأمين تلك المزايا، مثل الجامعة.
كما يشير البحث أيضاً إلى أن بعض الطلاب لا بد من أن يفكروا بشكل مختلف في أولوياتهم عند اختيار الكلية. ذهبت إلى كلية «هارفي مود» في كليرمونت، كاليفورنيا. كنت معجباً بسمعتها في الهندسة وعلوم الحاسب، والحرم الجامعي الصغير ومجتمع الطلاب (كان صفي المتخرج حوالي 150 طالباً)، مع سمعة أكاديمية تتساوى مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
ما لم أفكر فيه كثيراً في ذلك الوقت هو كيف أن الوجه الآخر لمجتمع الطلاب الصغير يعني شبكة صغيرة للغاية من الخريجين في المستقبل. وفي حين أن معهدَي ماساتشوستس وكاليفورنيا للتكنولوجيا معروفان على الصعيد الوطني، فإن كلية «هارفي مود» ليست معروفة جيداً خارج مجالات التكنولوجيا أو خارج ولاية كاليفورنيا. ومع انتقال مسيرتي المهنية من كاليفورنيا وصناعة التكنولوجيا بمرور الوقت إلى أتلانتا والصناعات المالية والإعلامية، لم أكن قادراً على الاستفادة من وقتي في «هارفي مود» بالطريقة التي قد أحظى بها في كلية مختلفة مع عدد أكبر من الطلاب وشبكة الخريجين.
هذا لا يعني أن الناس يجب ألا يذهبوا إلى الكليات الصغيرة؛ بل إن تعظيم شبكة التواصل بالنسبة إلى تنمية المهارات صارت له قيمة الآن أكثر مما كانت عليه الأمور قبل 3 سنوات.
باعتباري شخصاً التحق بالمدارس الحكومية خلال المرحلة الثانوية، فإنني أنزعج كثيراً عندما أكتب ذلك، ولكننا نقول أيضاً إنه إذا كان بإمكانهم تحمل تلك التكاليف، فالناس يجب أن يولوا المدارس الخاصة اهتماماً أكثر مما كانوا يفعلون في الواقع. وينسحب المنطق نفسه هنا أيضاً: إذا كان من الصعب بناء شبكة تواصل من الصفر في مكان العمل، فإن إقامة الروابط مع نخبة الطلاب والأسر في المدرسة الثانوية هو وسيلة لضمان تكوين تلك الشبكة، حتى إذا كان مستقبل العمل هو الانتقال من وظيفة عن بُعد إلى وظيفة أخرى عن بُعد، عن طريق مواقع التوظيف، مثل «لينكد-إن» و«إنديد».
ولأني شخص مُتفائل، آمُل أننا سوف نتمكن من سد مكامن الخلل في العمل عن بُعد، مع مرور الوقت، وأن الناس لا تزال قادرة على بناء الشبكات وتكوين الصداقات في العمل. لكني أيضاً أعود بذاكرتي المهنية، وأشك في أن لدي بعض التواصلات التي حققتها إذا كانت أماكن العمل بعيدة بشكل ملحوظ أو حتى مختلطة، عندما كنت في العشرينات من عمري. لذا، من المنطقي للشباب الذين يفكرون في مستقبلهم استثمار مزيد من الوقت في شبكاتهم في المدرسة الثانوية والجامعة؛ لأنه ليس من الواضح كيف سيكون حال مكان العمل عندما يشرعون في بناء حياتهم المهنية الخاصة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:18 دقيقه
TT
الموظفون عن بُعد يحتاجون لمزيد من التواصل في المستقبل
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
