ميشيل غولدبرغ
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

بوريس جونسون والتورط المبهج

لا يوجد كثير من الأخبار السارة في العالم هذه الأيام، لذا فإن الأمر يستحق قضاء بعض الوقت في تقييم الانهيار الداخلي لمن سيحمل قريباً لقب رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
بدا انتصار جونسون الساحق في عام 2019 ضد جيريمي كوربين من حزب العمال، إيذاناً بفترة طويلة من هيمنة اليمين. وذكرت حينها صحيفة «ذا إيكونوميست» أن جونسون «في وضع جيد ليصبح أحد أقوى رؤساء الوزراء في العصر الحديث».
بعد أقل من 3 سنوات، وبسبب الفضيحة وعدم الكفاءة والتمرد من جانب حزبه، أعلن جونسون عن خططه للتنحي بمجرد العثور على زعيم محافظ جديد. قد لا تكون هناك انتخابات عامة جديدة قريباً، لكن إن حدث فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب العمال يمكن أن يفوز بالأغلبية.
بحسب الصحافي إيان دنت، استمعت مؤخراً إلى مضيفي مذيع البث الصوتي (بودكاست) البريطاني من تيار يسار الوسط، يقولون «يا إلهي، ماذا يحدث الآن؟» حيث تخلى عنه وزراء حكومته بشكل جماعي. لقد بد ابتهاجهم وكأنه عدوى.
لكن بالنسبة لليبرالي أميركي، فقد بدت الشماتة التي جلبها انهيار جونسون ممزوجة بقدر من الحسد. نحن نشاهد ديمقراطية لا تزال سارية، وهي تطيح بزعيمها الشعبوي المنمق لأن تصرفاته النرجسية كانت ببساطة أكثر من اللازم.
كثيراً ما جرى تشبيه جونسون، الديماغوجي القومي والمتشدد، بدونالد ترمب، حتى لون شعره الأصفر الفاقع، ناهيك عن أوجه الشبه في حياتهما المهنية والسياسية.
كان النجاح المذهل لاستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو السبب الذي جعل جونسون يصل إلى السلطة في نهاية المطاف، وأيضاً بمثابة إنذار بانتصار ترمب الرئاسي الأكثر إثارة للصدمة. شكّل كلا الرجلين تحالفات انتخابية جديدة من خلال شقّ طريقهما مع ناخبي الطبقة العاملة الساخطين. وكلاهما تعرض لأعمال مثيرة قاسية مناهضة للمهاجرين، مثل خطة حكومة جونسون الأخيرة لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. فكلاهما يشتركان في ازدراء الحقيقة وفي معايير حكومتيهما.
بالطبع بريطانيا والولايات المتحدة دولتان مختلفتان تماماً، ليس فقط لأن المملكة المتحدة نظام برلماني، وهو شكل حكومي أكثر فاعلية بشكل عام من نظامنا الرئاسي. ومن الواضح أن الشعب البريطاني لا يزال قادراً على استشعار الصدمة من التحرش الجنسي من قبل المسؤولين ومن أكاذيبهم، حتى عندما يكون هؤلاء المسؤولون في صف الشعب. بلادهم ليست مدججة بالسلاح، وليس لديهم فصيل قوي يهدد العنف بشكل منتظم. ولا يزال يبدو أن بريطانيا لديها قدر ضئيل من الاتفاق الاجتماعي حول السلوك السياسي المقبول. لكن حكومتها تنهار لأن مجتمعها لا يقبل بذلك.
ولأنني غارق في القذارة المعنوية للسياسة الأميركية، أشعر بالغيرة من غرابة الفضيحة التي أسقطت جونسون أخيراً؛ الكذب وعدم الحسم بشأن سوء السلوك الجنسي لشخص آخر اسمه كريس بينشر.
اتضح أن الذي عيّنه جونسون نائباً لرئيس الخزانة العامة بالبرلمان في فبراير (شباط) اتُهم بالتحرش الجنسي عدة مرات في الماضي. وزعم جونسون وحلفاؤه أنه لم يكن على علم بالادعاءات عندما منح بينشر ذلك المنصب.
من الواضح أن كلاً من بينشر وجونسون تصرفا بشكل فاضح. الجانب الغريب هو الإدانة شبه العالمية لسلوكهما والاعتراف على نطاق واسع بأنه بعد سنوات من التنمر وعدم الأمانة، كانت مداراة جونسون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
شعرت بحزن مماثل وأنا أفكر في الفضيحة الحزبية، فضيحة التواصل الاجتماعي الوبائي السري لجونسون، التي دفعت المحافظين إلى إجراء تصويت بحجب الثقة الشهر الماضي، الذي نجا منه رئيس الوزراء. ومن حين لآخر، كنت أسأل البريطانيين عما إذا كان هناك بالفعل غضب واسع النطاق من جونسون، أو مجرد رضا عن إيقافه.
لقد انتهك جونسون القواعد التي فرضتها حكومته على الآخرين. ومع ذلك، لكي تكون غاضباً حقاً من النفاق، يجب أن يكون لديك بعض التوقع بأن الأشخاص في السلطة سوف يتبعون القواعد. ولكي تشعر بالخجل من الكشف عن النفاق، كما بدا الحال مع حزب المحافظين، عليك أن تقبل على نفسك ما يطبق على الآخرين. طريقة أخرى لقول ذلك هي أن عدم التسامح مع النفاق ينطوي على حساسية ديمقراطية، حيث من المفترض على الأقل أن يلتزم الجميع بنفس القيود.
تنتهي مسيرة جونسون المهنية، على الأقل في الوقت الحالي، بالطريقة التي كان ينبغي أن ينتهي بها ترمب. ذلك نتيجة حالة الاشمئزاز العام ما دفع حزبه لإطاحته. شأن ترمب أراد جونسون في البداية التمسك بالسلطة، عندما لم يعد ذلك ممكناً. وعلى عكس ترمب، لم يكن هناك أي احتمال أن يستدعي حشداً مسلحاً.
* خدمة «نيويورك تايمز»