وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

طريق الهيدروجين الأخضر السعودي

إن امتلاك دولة لموارد طبيعية لا يعني بالضرورة قدرتها على الاستفادة منها، فتلك تتطلب قدرتها على تحويل هذه الموارد إلى سلعة، ومن ثَم نقلها إلى السوق وبيعها، ما يتطلب وجود سوق في الأساس لهذا النوع من السلع.
وفي كثير من الأحيان، يتطلب الأمر تخزين هذه السلعة لحين إيجاد مشترٍ مناسب لها، أو تحسن وضع السوق، ولهذا ليست كل السلع على نفس القدر من الأهمية أو القيمة المادية أو الاستراتيجية.
وعندما ننظر لسوق الطاقة، فإن هناك كثيراً من السلع التي يمكن تصديرها تقليدياً، مثل النفط والغاز والفحم والكهرباء، ومؤخراً ظهر الهيدروجين بألوانه المختلفة، الأسود والرمادي والبني والأزرق والأخضر.
لكن عملية التصدير ليست متساوية بين كل هذه السلع، فالنفط مثلاً يمكن تخزينه في صهاريج، ومن ثم نقله في ناقلات لبيعه في الأسواق الخارجية، فيما الغاز لا يمكن تخزينه ولا نقله بسهولة، ما يتطلب تحويله إلى سائل من قبل البائع، من خلال معالجة خاصة، ومن ثم نقله في ناقلات خاصة ومكلفة وتحويله إلى غاز مرة أخرى من قبل المشتري.
لهذا، فإن الدول المنتجة والمستوردة للغاز تحت ضغط كبير جداً لتأمين الشحنات، ما يتطلب استثمارات كبيرة في معالجة وتسييل الغاز وتغويز السائل ونقله. ويلجأ كثير من الدول لبيع الغاز من خلال نقله في أنابيب، وليس كل الدول على وفاق مع جاراتها، ولهذا فإن مدّ أنبوب للغاز مسألة سياسية كبيرة.
لحسن الحظ، فإن السعودية دولة حباها الله بالنفط الذي يمكن تصديره بسهولة، إلا أن تطورات سوق الطاقة تتطلب أن تفكر المملكة في تصدير أنواع أخرى من الطاقة، مثل الهيدروجين والكهرباء، للبقاء في المنافسة مع تذبذب الطلب مستقبلاً على النفط. هذه الأنواع من الطاقة تتطلب كذلك كثيراً من البنية التحتية، ليست المادية وحسب، بل السياسية كذلك، وهو ما جعل المملكة تحافظ على علاقتها مع دول الجوار حتى تستطيع مد الخطوط، بدلاً من الأنابيب لنقل الكهرباء إلى أوروبا وأفريقيا.
وليس دول الجوار وحسب، بل كذلك نقاط الدخول إلى أوروبا، مثل اليونان، وهو ما يعني أن الخريطة السياسية ستشهد كثيراً من التغيرات ومزيداً من العمق في العلاقات.
وإذا نظرنا إلى الهيدروجين، فإنه السلعة التي يمكن للسعودية أن تكون رائدة في إنتاجها وتصديرها للخارج، إذ هذا النوع من الطاقة قابل للإنتاج بتكلفة أقل، وللتصدير بتقنيات أقل تعقيداً من الغاز الطبيعي. ولدى السعودية خطط لإنتاج نوعين من الهيدروجين، الأول هو الأزرق، من خلال شركة «أرامكو السعودية»، والآخر هو الأخضر القادم من نيوم، الذي يعتبر أكثر أنواع الهيدروجين ملاءمة للبيئة، لأنه ينتج من خلال فصل جزيئات الماء بواسطة الكهرباء النظيفة، على عكس الأزرق الذي يأتي في الغالب من مصافي النفط. وسيفتح الهيدروجين الأخضر آفاقاً سياسية جديدة للسعودية، وسيكون هناك طريق لتجارة الهيدروجين، مثلما كانت في السباق طرق لتجارة التوابل والحرير. وكانت اليونان المحطة الأولى في طريق الهيدروجين الأخضر السعودي، التي سوف تكون نقط دخول وتوزيع للقارة الأوروبية. لكن السعودية لن تكتفي باليونان، فهناك بلدان لديها سياسة قوية لاستيراد الهيدروجين الأخضر، مثل ألمانيا واليابان، وكلها أسواق واعدة.
إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لليونان مجرد بداية لطريق الهيدروجين السعودي، والعالم، والمستقبل الذي سينبني حوله.