إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

هل تعرف لينا مهفوف؟

تجمع مئات الشبان والشابات أمام متجر في باريس، قبل أيام، يترقبون موعد الافتتاح. وقفوا في صفوف طويلة، وانتظر بعضهم ساعات أمام الباب لكي يكون أول الداخلين. بينهم من جاء في الصباح الباكر من مدن أخرى ليحضر المناسبة ويعود إلى مدينته في قطار الليل. ماذا يبيعون هنا؟ قمحاً وزيتاً من أوكرانيا، أم عقاراً للوقاية من كوفيد؟
إنه دكان موقَّت. يُقام طيلة الشهر الحالي، ويُغلق بانتهائه. يجد فيه الزبون ثياباً وأوشحة وحلياً ولوازم منزلية، وأشياء مما هبّ ودبّ. وهناك زاوية لاحتساء عصير مبتكر أو تذوق طبق أخضر، أي طعام نباتي خالٍ من التدخلات. والمعروضات كلها تحمل توقيع لينا مهفوف. وقد جاء هذا الجمهور، في الأساس، للقائها والتقاط صورة معها. ما لي شغل بالسوق مرّيت أشوفك. فمن تكون هذه الباريسية الشهيرة ذات الاسم العربي؟
لينا شابة في الرابعة والعشرين. ابنة والدين تركا الجزائر هرباً من انفلات الوضع خلال العشرية الدموية. الأب رسام والأم مصممة أزياء. درست البنت في معهد لتسويق الموضة. وكانت قد بدأت بتسويق أفكارها منذ أن كانت في الثانوية. أنشأت مدونة تقدم فيها نصائح تجميلية ومختارات مما تعرضه المتاجر من ثياب للشباب، مع قائمة بعناوين مفيدة. وبفضل أسلوبها الفكاهي نجحت في جمع مئات المتابعين. وسرعان ما فتحت لها حسابات في كافة وسائل التواصل، وقناة خاصة على «يوتيوب». أصبحت شخصية مؤثرة، أي «إنفِلوَنْسَر» حسب المصطلح الإنجليزي الدارج الذي اقتحم بقية اللغات.
لينا مهفوف هي اليوم اليوتيوبية الأكثر متابعة في فرنسا. نشرت أكثر من مائتي تسجيل، وجمعت حولها ملايين المشتركين. تفوقت على منافسيها بفضل النوعية الفنية للصور التي تعرضها. كما أنها اختارت أسلوباً يقوم على المزج ما بين حياتها الخاصة وبين المحتوى التجاري الذي تقدمه. وهناك من المتخصصين من كتب يقول إنها باتت نجمة في ميدانها، ساهمت في تطوير مفهوم المنوعات على الشبكة. وبهذا فإن شهرتها امتدت خارج فرنسا. وفي الربيع الماضي كانت أول مؤثرة فرنسية تُدعى لحضور الحفل الخيري السنوي الذي تنظمه آنا وينتر، أيقونة الموضة العالمية، ورئيسة تحرير مجلة «فوغ»، في متحف متروبوليتان في نيويورك.
ليس في مظهر لينا مهفوف ما هو مميز. وهي بعينيها السوداوين وسمرة بشرتها تشبه ملايين العربيات «من المحيط إلى الخليج». ومن المؤكد أن هذه الشابة تتمتع، إلى جانب الحظ، بالموهبة وبعقل جميل بالغ التنظيم. وبهذا فإن قناتها تحوز اهتمام صنّاع الموضة والكثير من المعلنين. وقد اختارتها شركة عالمية للأحذية الرياضية سفيرة لها. وكما يحدث دائماً مع مثيلاتها، أثار نجاحها حفيظة كثيرين وكثيرات من المعقدين والانطوائيين المتمترسين وراء شاشاتهم. ولم يأتِ الهجوم عليها من الأغراب؛ بل من أبناء جلدتها. وكما قال الشاعر: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة...».
قبل يومين من افتتاح متجرها، فوجئ متابعوها بتسجيل طويل تشتكي فيه من «التحرش الإلكتروني». قالت إنها تتلقى سيلاً من الشتائم والتهديدات. أزعجوا والدتها عبر الهاتف، وألقوا البيض على نافذتها. وحتى جدتها المقيمة في الجزائر لم تسلم من البذاءة. إن الشتيمة الأسهل عند هؤلاء هي: عاهرة.
لا تنكر صاحبة التسجيل أنها تأثرت بتلك الحملة. أوقفت تغريداتها ولزمت الفراش غير قادرة على القيام بأي شيء. خافت على نفسها من اعتداءات في الشارع. ولم تكن تفهم لمَ يحصل لها ما يحصل. ثم انتفضت واستجمعت ثقتها بنفسها وقررت العودة ومصارحة الملايين من متابعيها بالمحنة التي مرت بها. نشرت تقول: «الكلاب تنبح والقافلة تسير».