داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

متى ستنتهي هذه الحرب؟

منذ 77 عاماً تأسست الأمم المتحدة في عام 1945 بعد الدمار الواسع الذي نجم عن الحرب العالمية الثانية. والعبرة في ذلك أن هذه المنظمة الدولية لها مهمة مركزية واحدة هي «صون السلم والأمن الدوليين من خلال العمل على منع الصراعات، ومساعدة أطراف النزاعات على صنع السلام، ونشر القوات المؤهلة للفصل بين القوات المتنازعة». وأنا أقرأ ذلك في إحدى وثائق تأسيس الأمم المتحدة ومسوغات ذلك على أنقاض «عصبة الأمم» التي فشلت في تحقيق ما تأسست من أجله في ظل انقسام العالم في الحرب العالمية الثانية. ومن «طرائف» الحرب العالمية الثانية إذا جاز الوصف أن هناك في وثائق الأمم المتحدة أربع دول حاربت مع الطرفين (الحلفاء) و(المحور) وهي فنلندا وتايلاند وفرنسا والعراق الذي كانت له في عهد الملك غازي الأول إذاعة عربية حكومية تؤيد ألمانيا الهتلرية يقودها المذيع العراقي والرحالة الشهير يونس بحري. وفي الوقت نفسه كانت الحكومة العراقية متحالفة مع الاستعمار البريطاني!
ما أشبه اليوم بالبارحة! ها هي روسيا تجتاح أوكرانيا وتلوح بتمديد احتلالها إلى دول أوروبية أخرى كانت في يوم من الأيام أقاليم في الاتحاد السوفياتي الشيوعي.
لكن مجلس الأمن، وهو جهاز المنظمة الدولية الذي أوكلت إليه المسؤولية الأساسية عن السلام والأمن الدوليين يظل عاجزاً عن فعل أي شيء. وهذا المجلس هو الذي يقرر أن هناك خرقاً خطيراً للسلام العالمي وليس الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا ولا روسيا أو الصين أو كوريا أو أستراليا.
والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خوّل لمجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية أو عمل عسكري دولي أو كليهما معاً، جنباً إلى جنب مع تشكيل بعثات دبلوماسية خاصة لا تفارق موسكو أو كييف في الحالة الخطيرة الراهنة قريباً من قيادات البلدين. ولأجل صون السلام الدولي فإن الأمم المتحدة تلجأ إلى الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة وقوات حفظ السلام. ولها حالياً أكثر من 12 مهمة حفظ للسلام في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط.
لا يختلف اثنان على أن الأمم المتحدة قدمت خدمات جليلة للأمن والسلام وحاولت من خلال أكثر من (15) منظمة واتحاداً ومجموعة في مجالات الأغذية والزراعة والطيران المدني والعمل الدولية والبحرية الدولية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين والتربية والعلوم والثقافة والتنمية الصناعية والبريد العالمي والبنك الدولي والصحة العالمية والمِلكية الفكرية والأرصاد الجوية والسياحة العالمية. ولا ننسى أن محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة وتتولى الفصل طبقاً لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول. وشملت هذه المؤسسات معظم دول العالم سواء خدماتها أو في هياكلها الإدارية لتبادل الخبرات والكفاءات والمساعدات في أيام الكوارث الطبيعية أو عبر اتفاقيات ثنائية أو إقليمية. وإلى جانب ذلك هناك المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، ومكتب الأمم المتحدة في جنيف والمعهد العالي للدراسات الدولية ومقره جنيف أيضاً. ويعتبر هذا المعهد من أكبر المعاهد المرموقة في أوروبا إذا لم نقل في العالم، وتخرج فيه ملوك ورؤساء دول وسفراء ووزراء خارجية، ومن بينهم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، وكذلك سبعة فائزين بجائزة نوبل.
أريد أن أقول من هذه الاستفاضة المعلوماتية إن مؤسسة عمرها 77 عاماً وبهذا الحجم والمستوى، لا يمكن أن تفرط فيها البشرية بالسهولة التي تمت بها عملية تصفية «عصبة الأمم». صحيح أن الأمم المتحدة لم ترتفع إلى مخاطر الحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها الإنسانية والاقتصادية والصحية والبيئية، إلا أن هذا ليس غريباً على الأمم المتحدة، فقد تعاملت بشبه تجاهل وانكفاء مع حروب مشابهة في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وفلسطين وكشمير وسوريا وليبيا والسودان واليمن، بالإضافة إلى اضطهاد المسلمين في الهند والصين.
في كل الأحوال؛ إن ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا ليس مثل ما بعدها، وهو أمر يحتاج من منظمة الأمم المتحدة أن تدرس هذا التطور الجيوسياسي العنيف وتخرج بنتائج وحلول واقعية، وليست مجرد خطب في الجمعية العامة للإعراب عن القلق الشديد المشوب بالحذر. هذا لا يكفي؛ فأمر له معنى أن تتوزع معظم الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة والجمعية العامة وحتى مجلس الأمن عند الأزمات الكبرى على القارات كلها وحسب الأبجدية ولا تقتصر على مانهاتن/ نيويورك أو مبنى قصر ويلسون التاريخي في جنيف. ومن حقنا أن نتساءل عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعما إذا كان في وسعها أن تعقد اجتماعاً تاريخياً في إحدى الدول العربية، أو في إحدى الدول الأفريقية أو الآسيوية أو أميركا الجنوبية وأستراليا؟ فهذه الدول تود الإحساس بأن الأمم المتحدة تهتم بمشاكلها وتعالجها بالتوافق مع أنظمتها السياسية والقيمية.
لقد جرب الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي الحرب، فلماذا لا يجربان السلام في الأشهر الخمسة المقبلة؟
ما زال مجلس الأمن دون مستوى الأزمة الأوكرانية، مع أنه «من يقرر وجود تهديد للسلم أو حدوث عمل من أعمال العدوان، ما يستوجب دعوة أطراف النزاعات إلى إيجاد حل بالوسائل السلمية وطرق التسوية السياسية والقانونية الفعالة»؛ قبل أن يذهب إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة واللجوء إلى إجراءات لفرض تدابير الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، بداية من فرض عقوبات اقتصادية وانتهاءً بعمل عسكري دولي. لكن المشكلة هنا أن «الفيتو» أو حق النقض الروسي يشكل عقبة كئوداً أمام اتخاذ أي قرار ترفضه موسكو، وهي مشكلة يمكن أن تتكرر مع الصين في قضية تايوان.
وفي هذه الحالة يمكن الرجوع إلى ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. الصمت أو البيانات أو دول اللجوء بالنسبة لملايين المدنيين الهاربين من نيران الحرب لا تحل المشكلة. لا مفر من استئناف المفاوضات بين الطرفين المتنازعين ودعوتهما إلى الاجتماع وفرد الأوراق، بغية إنهاء هذه المأساة التي أثرت على العالم أجمعه.