علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

أوضاعنا السيئة

المثقفون العرب والحالمون العرب كانوا ينادون بوحدة دول العالم العربي، ومع التجارب أدركوا أن هذا الطلب مستحيل التحقيق مع نشوء الدولة القُطرية التي أصبح لحكامها مطامح في الحفاظ على السلطة ولشعوبها خيرات لا يرغبون أن يشاركهم فيها أحد.
تراجعت أحلام مثقفي الأمة العربية لتنادي بالاتحاد بدلاً من الوحدة، لكن مثقفي الأمة استفاقوا على مؤامرات ينظمها الزعماء العرب فيما بينهم، فالوثائق كشفت سعي القذافي لزعزعة نظام الحكم في السودان وفي مناطق عربية أخرى. وبعض الدول العربية الصغرى حاولت تغيير الواقع من حولها لكنها فشلت ليقظة جيرانها.
لتتراجع طموحات مثقفي الأمة للمناداة بالتنسيق والتكامل، وهذا لم يحدث أيضاً لنرى الفوضى تعج في العراق بعد حكم ديكتاتوري لصدام، تبعه إطلاق يدي نجلي الرئيس وأقاربهم على رقاب الشعب، لدرجة أن عُدي يسجن لاعبي الكرة إذا انهزموا في مباراة كرة قدم، هذا مع الديكتاتورية جعل معارضي النظام يستعينون بالأميركيين لتغيير نظامهم، وهذا ما حدث لتعم الفوضى.
وفي ليبيا، سام القذافي الشعب الليبي سوء العذاب، وأطلق أيدي أبنائه على رقاب الناس، وقد أدرك مساعدو القذافي ظلم القذافي، كما يقول وزير خارجيته الأسبق عبد الرحمن شلقم، الذي نصحه بأن يحسن معاملة الشعب، ليكون رد القذافي «جوع كلبك يتبعك»، ليرد شلقم «أخشى أن يعضك شعبك»، وهذا ما حدث لينتفض الشعب ويسقط القذافي.
في سوريا، لم يكن الشعب السوري راضياً عن التوريث من حيث المبدأ، لكن قوة الأجهزة الأمنية أخافت الشعب، وأذكر أنني حضرت افتتاح مدرسة ثانوية للأيتام بناها رجل خير سعودي هو رجل الأعمال محمد الخضير، وقد حضر الحفل على سخفه 11 جهازاً أمنياً، ومع انتشار الفساد في سوريا في عهد حافظ الأب، إلا أنه كان يكبح جماح قادة الجيش من ظلم الشعب، وهو ما لم يفعله حافظ الابن ليثور السوريون رغم كثرة أجهزة القمع الأمنية، وإذا انتقلنا إلى السودان فإن حاله لا تسر صديقاً.
كل هذه المتغيرات جعلت أحلام مثقفي الأمة تتراجع لتصل إلى المناداة بتوفير الأمن القُطري والتنمية القُطرية، وهو ما أدركه قادة الأمة العربية الفاعلون مع شريكهم الأميركي ليعقدوا مؤتمر قمة الأمن والتنمية في جدة، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ لو أن الإرهابيين أغلقوا مضيقي هرمز وباب المندب ستختنق التجارة الدولية وتختنق قبل ذلك تنمية المنطقة العربية الاقتصادية، فلا تنمية اقتصادية أو صناعية أو زراعية بلا أمن. لذلك لا يلام مثقفو الأمة إذا تراجعوا عن أحلامهم، لتنحصر أحلامهم في تحقيق الأمن الذي يمثل الغطاء الأساسي للتنمية بجميع أشكاله، سواء كانت التنمية بشرية عبر إعداد الكوادر المؤهلة، أو اقتصادية، وهو ما سعى لتحقيقه قادة الدول العربية الفاعلة عبر مؤتمر جدة، لتجنيب عالمنا العربي ومنطقتنا الشرق أوسطية حالة السوء التي تعيشها. ودمتم.