ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

الاتحاد الأوروبي في حيص بيص

عاد السياح إلى باريس ومدريد وروما مجدداً، لكنهم لا يستطيعون إنقاذ القارة القديمة من خطر الركود. فالإضرابات ونقص الموظفين تلمح إلى أن ارتفاع التضخم يأتي على ما في جيوب الناس، وحتماً يؤدي إلى تعكير مزاجهم. وها هي فرنسا وألمانيا، محركا صنع السياسة الأوروبية، تظهر مؤشرات التباطؤ.
والأسوأ من ذلك، أن السبب الجذري للألم - ارتفاع أسعار الطاقة بعد اجتياح فلاديمير بوتين لأوكرانيا - لا يظهر أي مؤشرات للحل بعد أن حطمت العقوبات الاقتصاد الروسي من دون أن تضع حداً للحرب. يستغل بوتين أيضاً اعتماد أوروبا على غازه، حيث تدعم مدفوعاتهم آلته الحربية.
الخطر التالي هو أن الانقسامات الداخلية والصراعات بين دول الاتحاد الأوروبي تزداد سوءاً في ظل وجود طاقة بشروط أكثر صرامة وظروف اقتصادية هذا الشتاء. أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع، وألمانيا بصدد وضع خطط طارئة لخفض الطلب، حيث لا يزال تخزين الغاز دون المستوى المستهدف. وها هي النرويج تتعرَّض لضغوط للحد من صادرات الكهرباء مع ارتفاع الأسعار في الداخل.
أخبرني إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس تحالف يسار الوسط في حكومة الوحدة التي يقودها ماريو دراجي، أن استجابة الاتحاد الأوروبي اليوم تغامر بأن تبدو مثل الأزمة المالية قبل عقد من الزمن: متأخرة وغير كافية، على عكس الخطط الجريئة التي تم إطلاقها في حينها خلال زمن الجائحة.
وبحسب ليتا خلال حديثه على هامش مؤتمر معهد جاك ديلور في باريس، «لقد كان أداءً أوروباً جيداً للغاية في الاستجابة لهذه الأزمة على المستوى الجيوسياسي. لكن الاستجابة الاجتماعية والاقتصادية كانت مفقودة».
لدى ليتا توصيتان رئيسيتان: الأولى، هي التركيز بشكل خاص على تحديد أو خفض أسعار الغاز. أصبح التأثير المباشر وغير المباشر للغاز باهظ التكلفة واضحاً الآن للمصانع والشركات الصغيرة والأسر، وها هي ألمانيا ضمن أولئك الذين يفكرون في تقنين الطوارئ. التوصية الأخرى، هي المزيد من الدعم المالي للأسر والمستهلكين. لم يكن الشعور بعبء هذه الأزمة متساوياً، حيث كان لتضخم الطاقة التأثير الأكبر على أولئك الأقل قدرة على تحمله. وقد يؤثر ذلك على الدعم الشعبي لأوكرانيا، التي فازت مؤخرا بوضع مرشح الاتحاد الأوروبي.
لدى ليتا نقطة مهمة هنا، حيث يتوقع الاقتصاديون في «باركليز بي إل سي» نمو اقتصاد منطقة اليورو بواقع 0.5 في المائة فقط العام المقبل، لكن هذا قد يتحول إلى ركود حال نضبت تدفقات الغاز الروسي. يُظهر التوسع الأخير في هوامش السندات الإيطالية خطر تكرار ما يسمى حلقة عذاب الديون السيادية التي تمتد من الحكومات إلى الإقراض المصرفي.
وفي حين اتخذت الحكومات الأوروبية بعض الخطوات، فقد بدت مترددة وذات طابع وطني. إن الإجراءات المتقطعة مثل الإعانات المنزلية والضرائب غير المتوقعة وإعفاءات السوق لم تعكر صفو بوتين. فقد تعثرت محاولات إعادة إطلاق مبادرات التحفيز في عصر «كوفيد» التي تتضمن اقتراضاً مشتركاً من الاتحاد الأوروبي مع عودة الخلافات المألوفة بين الشمال والجنوب.
الشيء الذي ينقصنا هو التضامن والقيادة اللذان سيحاولان تقاسم التكلفة، حيث يقول ليتا «يجب أن تكون الاستجابة عامة. والخطر هو أن يغض القادة الطرف حتى يفوت الأوان».
يمكن أن تكون أسواق الطاقة نقطة انطلاق جيدة للوحدة. بدلاً من انتظار المزيد من الدول لبدء خطط طوارئ الغاز - وهي عملية تقنية إلى حد ما، كاملة ذات صيغة جبرية – يتعيّن على الاتحاد الأوروبي إعلان حالة الطوارئ الإقليمية. يجب الضغط على الدول لمشاركة ما لديها، بدلاً من تخزينه. قد يعني هذا أيضاً حث ألمانيا وهولندا على إبقاء المحطات النووية وحقول الغاز مفتوحة الآن.
يجب أن يقترن تضامن الطاقة بتضامن مالي. وفي هذا السياق، دعا سيمون تاغليبياترا وغوترام وولف، الباحثان في مؤسسة «بروغيل» إلى إنشاء صندوق تعويضات بقيمة 20 مليار يورو (21 مليار دولار) سنوياً، يجري تمويله من خلال الاقتراض المشترك، للمساعدة في دفع تكاليف الأزمة وتقليل فرصة التجزئة مع اشتداد العقوبات.
لن يقلل أي من هذا الضغط طويل الأمد للابتعاد عن الوقود الأحفوري، وإدارة القدرة على تحمل الديون في عالم ما بعد الجائحة وما بعد الحرب. فإيطاليا هي نفسها مثال جيد لما يمكن القيام به على المستوى الوطني، حيث خفضت حكومة ماريو دراجي اعتمادها على الغاز الروسي إلى 25 في المائة من 40 في المائة العام الماضي.
لكن الضغط قصير المدى هائل، وتحذير ليتا يستحق الاهتمام. كانت آخر مرة طاردت فيها صدمة الطاقة أوروبا قبل 40 عاماً، قبل وجود اليورو أو الاتحاد الأوروبي نفسه. ولذلك؛ إذا أخطأت الكتلة وارتكبت هذا الخطأ، فسوف ينذر ذلك بالسوء للأربعين عاماً المقبلة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»