روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

الدلالات السياسية لزيارة بايدن إلى جدة

كشف أحدث استطلاع لوكالتي «رويترز» و«إيبسوس» أن 57 في المائة من الأميركيين غير راضين عن جو بايدن.
ومن السهل معاينة هذا الشعور بعدم الرضا بين الأميركيين في الشارع. فقبل أيام قليلة، اشتكى لي الجزار في السوبر ماركت من أنه أصبح بحاجة إلى 200 دولار كي يتمكن من ملء خزان الوقود في شاحنته الصغيرة. وأخبرني أحد مؤيدي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، أنه قبل بايدن كانت الولايات المتحدة تتمتع بـ«الاستقلال على صعيد الطاقة»، لكنه الآن يلقي اللوم على بايدن، وليس على بوتين أو منظمة «أوبك»، باعتباره السبب وراء ارتفاع أسعار البنزين.
عام 2020، كان الوضع مختلفاً تماماً. بلغ سعر البنزين في الولايات المتحدة آنذاك دولارين للغالون، مقارنة بـ4.90 دولار في الوقت الحاضر. من ناحيته، طالب الجناح اليساري للحزب الديمقراطي، الذي كان بايدن بحاجة إلى دعمه لهزيمة دونالد ترمب، بجعل حقوق الإنسان الأولوية الأولى للسياسة الخارجية الأميركية.
وكان من السهل خلال الحملة الرئاسية لعام 2020 أن يستفيد بايدن سياسياً من خلال انتقاد بعض جوانب أوضاع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن انتقادات بايدن لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. ومثلما كتب المحلل ستيفن كوك، من معهد «بروكينغز» في دورية «فورين بوليسي» في 8 يونيو (حزيران)، تتطلب المصالح الوطنية الأميركية طويلة الأجل المتعلقة باستقرار سوق الطاقة العالمية وأمنها في منطقة الخليج، تحسين العلاقات مع الرياض في نهاية الأمر.
وعليه، نشهد اليوم نقاشاً داخل الولايات المتحدة حول العلاقات مع المملكة العربية السعودية. ويحذر مفكرون وسياسيون من أصحاب الميول اليسارية من أن زيارة بايدن إلى جدة لن تجلب الفوائد السياسية المرجوة التي يسعى إليها بايدن. وفي هذا السياق، كتبت داليا داسا كاي، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، في دورية «فورين أفيرز» المؤثرة في 3 يونيو، أن المملكة العربية السعودية ودول «أوبك» تحدد سياسات إنتاج النفط الخاصة بها على أساس مصالحها الوطنية، بما في ذلك مع الدول الأخرى الأعضاء في «أوبك»، وليس على أساس تقديم خدمات لواشنطن. وشككت في أن زيارة بايدن إلى جدة ستحقق زيادات مهمة في إنتاج النفط من دول الخليج.
من ناحيته، زعم نائب زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، ريتشارد دوربين، في 14 يونيو، أن المملكة العربية السعودية لا تشارك القيم ذاتها مع الولايات المتحدة. وحذر مستشار الشؤون الخارجية لدى الحزب الديمقراطي، مات دوس، المقرب من السيناتور المؤثر بيرني ساندرز، في 2 يونيو، من أن رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية تتعارض مع بعض أولويات السياسة الخارجية.
ومع ذلك، يبقى هناك تيار قوي في واشنطن يصر على أن بناء علاقة أفضل مع المملكة العربية السعودية هو الخيار الأمثل لخدمة المصالح الأميركية في الوقت الحاضر. فمن جانبه، كتب روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يتسم بقدر كبير من الأهمية، في 29 يونيو، معرباً عن دعمه لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتجاهل ساتلوف الجدل حول أسعار الطاقة. بدلاً عن ذلك، شدد على أن واشنطن يجب أن تدعم برنامج ولي العهد الإصلاحي وتركيزه على التنمية البشرية في المملكة، ودعمها نحو مزيد من الانفتاح.
بالإضافة إلى ذلك، يشكل الاحتمال المتزايد لعدم التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، هو الآخر، مصدر قلق خطير لمؤيدي تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
فقد كتب مساعد وزير الخارجية السابق للشرق الأوسط في وزارة الخارجية، مارتن إنديك، مقالاً بالتعاون مع ستيفن كوك في 20 يونيو في دورية «فورين أفيرز» حثّ فيه إدارة بايدن على البدء في العمل على توفير ضمانات أمنية للمملكة العربية السعودية ودول الخليج ضد التهديدات الإيرانية. ويرى المحللون المتفقون مع هذا الرأي أنه ربما من الممكن تدريجياً تأسيس إطار أمني إقليمي يشمل إسرائيل، لتعزيز الدفاع ضد الهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات من دون طيار. ويجب أن يبدأ ذلك بدور عسكري أميركي أكبر في الخليج، وتعاون عسكري أوثق مع دول رئيسية. أما الهدف فهو ردع أي هجوم إيراني ضد دول الخليج أو إسرائيل.
من جهتهم، يدعم القادة الإسرائيليون بهدوء جولة بايدن في المنطقة. والمعتقد أن بايدن سيجني ثماراً سياسية إيجابية داخل الولايات المتحدة من زيادة اندماج إسرائيل في إطار الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، والتطبيع مع مزيد من الدول العربية. أيضاً، سيجني بايدن فوائد سياسية داخلية أخرى محتملة من وراء تحسين العلاقات مع السعودية الآن.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي يولي اهتماماً كبيراً للحرب في اليمن. وإذا تمكن بايدن من الاتفاق مع الرياض وأبوظبي حول الخطوات التالية لتعزيز وتوسيع وقف إطلاق النار هناك، وزيادة إيصال المساعدات الإنسانية لليمنيين وتعزيز احتمالات وضع نهاية للحرب، فسيكون بذلك قد حقق إنجازاً كبيراً في إقناع الجناح اليساري للحزب الديمقراطي بجدوى مبادراته.
في الواقع، يحتاج بايدن إلى التعامل بمصداقية مع هذا الجناح اليساري، لأنه بالتأكيد يرغب في تجنب صعود منافس من الجانب الأيسر من حزبه، في وقت يستعد لحملته لإعادة انتخابه عام 2024.
وعليكم أن تتذكروا أنه داخل الولايات المتحدة المنقسمة على نفسها، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى وحدة جناحيه، المعتدل واليساري، للفوز في الانتخابات الوطنية.
الآن، في عام 2022، ثمة انقسام واضح في صفوف السياسيين والمثقفين حول أفضل نهج يمكن للولايات المتحدة اتخاذه.

- خاص بـ«الشرق الأوسط»