واجهات بيوت مطلية باللون الأخضر الفاتح، تبرز منها طائرة ركاب بأجنحتها المستطيلة، وباخرة تسبح في المياه، بجانب عبارات صارت محفوظة في ذاكرة المصريين الريفيين «حج مبرور وذنب مغفور»، بالإضافة إلى بعض الآيات القرآنية، والأدعية، والأحاديث النبوية، هذه الرسومات التي يبدعها أشخاص عاديون، رسمت بشكل تلقائي من دون دراسة أو استعانة بفنانين تشكيليين، وتسمى بالغرافيتي حديثاً، صارت مرادفاً لمعاني البهجة والسعادة التي تواكب تأدية فريضة الحج في القرى، إذ تبقى على الجدران سنوات عدة، تخلد فيها ذكريات روحانيات الحج.
وفي استدعاء وتناول حداثي لتراث البهجة المرتبط بهذه العادات، نظم المتحف القومي للحضارة أنشطة خاصة لإحياء فلكلور البهجة والفنون التراثية والشعبية التي توثق فرحة سفر الحجاج المصريين إلى الأراضي المقدسة خصوصاً في القرى، وتسليط الضوء على التراث غير المادي بفنونه الشعبية وأغاني وداع الحجاج واستقبالهم، حيث يمتلك المتحف مجموعة من القطع النادرة التي توثق لتاريخ الحج، منها المحمل ومفاتيح تراثية للكعبة المشرفة.
ونظم المتحف ورشة تراثية حية عن فن «غرافيتي الحج» وهو فن الرسم على جدران وواجهة المنازل في ريف مصر وصعيدها، والتي كانت تدل على سفر صاحب المنزل لأداء فريضة الحج كنوع من الاحتفال الشعبي بالحجيج.
ويرتبط فن «غرافيتي الحج» بالفلكلور الشعبي المصري والاحتفالات التي كانت تقام للحجيج خلال ذهابهم أو عودتهم، وكانت تتضمن أغاني تراثية شعبية، ورسومات على واجهات المنازل لتخليد ذكرى هذه المناسبة المقدسة في المحيط الشعبي، ويقول الدكتور ولاء الدين بدوي، كبير أمناء المتحف القومي للحضارة لـ«الشرق الأوسط» إن: «الحج يرتبط لدى المصريين بعادات وممارسات شعبية واحتفالية ثرية وفريدة تشكل التراث غير المادي لهذه المناسبة، سواء الأغاني المرتبطة بذلك، أو الرسومات على واجهات المنازل تعبيراً عن البهجة، التي كانت منتشرة أكثر في الريف والقرى، حيث كانت تُرسم صور لطائرة أو باخرة بحسب وسيلة سفر الحاج نفسه، مع تفاصيل فنية للرسم تعكس الأجواء الاحتفالية وتخلد لذهاب صاحب المنزل إلى الأراضي المقدسة».
ويمتلك المتحف القومي للحضارة مجموعة من المقتنيات والقطع النادرة التي توثق لتاريخ الحج، وتعد من التراث المادي المرتبط بهذه المناسبة حسب بدوي، الذي يضيف: «يمتلك المتحف قطعاً نادرة ترتبط بالحج تعكس تنوعاً ثقافياً في التراث المادي وغير المادي، منها كسوتان للكعبة التي كانت ترسل سنوياً من مصر، إحداهما تعود إلى عهد الملك فاروق، وأخرى تعود إلى حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، وهذه تعتبر آخر كسوة للكعبة إذ إنها لم ترسل للأراضي المقدسة بسبب توترات سياسية وقتها بين القاهرة والرياض، كما يعرض المتحف أيضاً محملاً يعود إلى عصر الخديوي عباس حلمي الثاني، ومفتاحين للكعبة المشرفة بمغلفاتهم (أكياس حفظهم) يعودان إلى عصر المماليك».
وعكست الأنشطة التي نظمها المتحف القومي للحضارة في الفسطاط، بالتعاون مع مؤسسة القلم لفن الخط العربي، قدسية الحج ومكانته عند المصريين، وثراء التراث المادي وغير المادي المرتبط بذلك، وتضمنت الأنشطة ورشة تحت عنوان «اكتشف فن السيرما»، حيث نفذ عدد من الفنانين قطعاً ومشغولات باستخدام هذا الفن النادر، وهو فن التطريز بالخيوط الذهبية، الذي استخدم لتزيين كسوة الكعبة المشرفة، كما زينت به الكثير من ملابس الملوك والأمراء في العصور التاريخية المختلفة، ونُظم معرض للأعمال التي نُفذت فضلاً عن ورشة تفاعلية حية عن حرفة فن «السيرما» لتدريب الأجيال الجديدة عليها.
استدعاء البهجة من واجهات منازل «ضيوف الرحمن» في ريف مصر
«المتحف القومي للحضارة» يذكر بها في «غرافيتي الحج»
استدعاء البهجة من واجهات منازل «ضيوف الرحمن» في ريف مصر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة