حملت زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أحمديان إلى عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبورغ ومحادثاته مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، دلالات مهمة، على خلفية تصاعد التوتر في علاقات إيران مع الغرب، وزيادة نشاط التحركات الروسية لحصد أكبر مكاسب من تفاقم الوضع حول المنطقة.
صحيح أن الزيارة جاءت في إطار مشاركة أحمديان في أعمال الدورة الـ12 لاجتماع المسؤولين الأمنيين البارزين الذي تستضيفه روسيا في هذه الأيام، لكن العنصر الأبرز أن الزيارة هي الأولى للمسؤول الأمني الإيراني إلى الخارج بعد تفاقم الوضع في العلاقات الإيرانية - الغربية على خلفية الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب أخيراً. كما أن اللقاءات الثنائية التي جرت على هامش الاجتماع الدولي شغلت الحيز الأبرز من الاهتمام، خصوصاً مع مشاركة عدد كبير من «حلفاء» روسيا وإيران في هذا المنتدى.
وجاء الإعلان في ختام الاجتماع عن توقيع مذكرة تفاهم بين مجلسي الأمن في روسيا وإيران، ليضيف بعداً جديداً لحلقات تعزيز التحالف الروسي الإيراني في المجالات المختلفة، فضلاً عن تركيز الطرفين على أنه تم خلال الاجتماع إيلاء الاهتمام الأكبر لـ«القضايا المتعلقة بتطوير التعاون العملي الروسي الإيراني في مجال الأمن».
رسالة إلى الغرب
وفي إشارة إلى أن تفاقم التوتر في الشرق الأوسط، كان العنصر الأكثر حضوراً على طاولة المفاوضات، قال بيان مجلس الأمن الروسي إن «الطرفين تبادلا وجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط، مؤكدَين اهتمامهما بمنع المزيد من تصعيد التوتر».
يذكر أن هذه الزيارة، هي الثانية لأحمديان إلى روسيا منذ مطلع العام، وكما حدث في هذه المرة، كانت الزيارة السابقة في يناير (كانون الثاني) قد شهدت أيضاً تأكيد انتقال العلاقات والتعاون على الصعيد الأمني إلى «مستوى جديد كلياً»، وفقاً لوصف الخدمة الصحافية لمجلس الأمن القومي الروسي، الذي ركز على « دخول التنسيق العملي بين روسيا وإيران إلى مرحلة جديدة في جميع المجالات، مع رفع مستوى التعاون، وتوجيه التركيز على التنفيذ العملي للاتفاقيات المبرمة على أعلى المستويات».
اللافت أن الحرص الروسي على إظهار مستويات تطوير العلاقة مع إيران، في المجالات المختلفة، حمل في توقيته وآليات الإعلان عنه، رسائل محددة، إلى الغرب، وفقاً لخبراء روس رأوا أن موسكو لا تخفي حرصها على إظهار كل أشكال الدعم المباشر وغير المباشر لإيران في الظروف المعقدة والمتشابكة التي يمر بها الشرق الأوسط حالياً.
«بريكس»
في إطار تنسيق السياسات الروسية حيال الشرق الأوسط مع الحلفاء، نظمت الخارجية الروسية، الخميس، اجتماعاً على مستوى نواب وزراء الخارجية والممثلين الخاصين للدول الأعضاء في منظمة «بريكس»، هو الأول من نوعه للمجموعة، الذي يخصص لاستعراض التطورات في الشرق الأوسط بمشاركة الأعضاء الجدد في هذه المجموعة، بعد توسيعها مطلع العام لتضم بالإضافة إلى روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ممثلين عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران.
شارك في اللقاء من الجانب الإيراني وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية علي باقري كني.
علماً بأن روسيا تترأس مجموعة «بريكس» لهذا العام، وتسعى لتنشيط تحرك المنظمة بما يدعم السياسات الإقليمية لموسكو وحليفاتها، وهو ما برز في الكلمة الاستهلالية للاجتماع التي قدمها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف.
فيما ركز باقري كني على رؤية إيران بشأن التطورات في الشرق الأوسط و«الاعتداءات المتواصلة للكيان الإسرائيلي على دول المنطقة، بما في ذلك قنصلية سفارتنا في دمشق».
وكان بوغدانوف استبق اللقاء بعقد اجتماع ثنائي مع باقري كني، بحث خلاله الطرفان مستجدات الوضع الإقليمي، وآليات تعزيز التنسيق بين موسكو وطهران.
متغير حاسم
ومع أن روسيا، أكدت في المواقف الرسمية المعلنة دعوة «كل الأطراف» الإقليميين إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى توسيع رقعة ومستوى المواجهات، لكن الكرملين في الوقت ذاته حرص على تأكيد مستوى الدعم لمواقف طهران، بشكل مباشر من خلال الإعلان عن إحراز تقدم ملموس في تعميق التحالف في مجالات عدة، وبشكل غير مباشر أيضاً من خلال تنشيط التنسيق مع الصين في هذا المجال، وتوجيه رسائل بأن موسكو تدعم تحركات «حلفاء» آخرين لدعم مواقف طهران، وهو ما ظهر مثلاً من خلال تركيز وسائل الإعلام الحكومية الروسية في اليومين الماضيين على زيارة وفد اقتصادي كوري شمالي كبير إلى طهران ومجريات المحادثات والاتفاقات خلال هذه الزيارة.
وهذا ما دفع أوساط غربية إلى الاستنتاج بأن الكرملين يعمل بشكل نشط للإفادة من الوضع المتفاقم في المنطقة لتعزيز أوراقه الإقليمية.
ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عن مستشار البنتاغون السابق دوغلاس ماكغريغور، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يجمع بين يديه كل الأوراق في الوضع في الشرق الأوسط، ويتمتع بنفوذ كبير بين دول المنطقة».
ورأى المستشار أن «روسيا باتت عاملاً مهماً في المعادلة في الشرق الأوسط. إنها أكثر من مجرد عامل. إنها متغير حاسم. في الوقت الحالي، يحمل فلاديمير بوتين كل الأوراق بين يديه خلف الكواليس في الشرق الأوسط. إنه يعزز مكانة كبيرة».
وبحسب المحلل، فإن سيد الكرملين يدعو الأطراف إلى ضبط النفس والصبر، وتحركاته تشير في الوقت ذاته إلى أنه يضاعف مكاسبه.
كان بوتين أجرى، الأسبوع الماضي، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس إبراهيم رئيسي، ناقشا خلاله الوضع في الشرق الأوسط بعد الضربة الإسرائيلية ورد طهران. وركز الرئيسان، وفقاً لبيان الكرملين، على أن «السبب الجذري للأحداث الجارية في هذه المنطقة هو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي لم يتم حله».
ورغم أن بوتين أعرب خلال المحادثة عن أمله في أن «يتحلى الجانبان الإيراني والإسرائيلي بضبط النفس، وعدم السماح بجولة جديدة من المواجهة التي تهدد بعواقب كارثية على الشرق الأوسط بأكمله»، فإن أوساطاً روسية رأت أن المدخل الذي يحرك سياسات موسكو الإقليمية يمكّنها من مراكمة فوائد دبلوماسية.
في هذا الإطار، بدا أن التركيز على تعميق التعاون الأمني يشكل حلقة تكميلية لسلسلة حلقات وضعت أسساً عملية لتعزيز التحالف الروسي الإيراني في كل المجالات. ووفقاً لسفير إيران لدى روسيا الاتحادية كاظم جلالي فإن موسكو وطهران قطعتا أشواطاً مهمة في تعميق التعاون الدفاعي المشترك الذي وفقاً للدبلوماسي الإيراني «لن يكون موجهاً ضد طرف ثالث».
كانت روسيا وإيران أبرمتا مطلع العام اتفاقية حكومية بشأن التعاون العسكري.
ووقع الاتفاقية وزير الدفاع سيرغي شويغو ونظيره الإيراني العميد محمد رضا آشتياني.
ورأت موسكو في حينها أن «الاتفاقية تشكل خطوة مهمة في تعزيز هذه العلاقات من خلال إنشاء أسس قانونية ونظرية لترسيخ التعاون العسكري الكامل».
واللافت أن بنود الاتفاقية برزت عناصر جديدة في آليات التعاون العسكري الدفاعي بينها، بحسب الوزير سيرغي شويغو، التفاهم على تعاون في مجال تحركات السفن العسكرية التي ترسو في موانئ روسيا وإيران، وتوسيع ممارسة تبادل الوفود، وتدريب الأفراد العسكريين وتبادل الخبرات في مجال حفظ السلام ومكافحة الإرهاب.
تعاون مالي
على الصعيد الاقتصادي، كان البلدان قد سارا خطوات لتعزيز التعاون في مجال السعي إلى الاعتماد على العملات المحلية والالتفاف على العقوبات الغربية، ونقلت صحيفة «فيدوموستي» الرصينة، أن روسيا وإيران ناقشتا فرص إنشاء عملة مستقرة مشتركة مدعومة بالذهب. ووفقاً لخبراء، تركز الحديث على استخدام العملات المشفرة بدلاً من الدولار والروبل والريال الإيراني في التجارة بين روسيا وإيران. ويضيفون أن هذا لن يصبح ممكناً إلا عندما تنظم السلطات تداول العملات المشفرة.
وتم تأكيد حقيقة هذه المفاوضات مع إيران من قبل أنطون تكاتشيف، عضو لجنة مجلس الدوما لسياسة المعلومات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأضاف أنه في روسيا، من أجل مناقشة هذه القضية على مستوى الدولة، سيتعين على السلطات تنظيم تداول العملات المشفرة بشكل كامل.
قلق أميركي
في الأثناء، زادت هذه التطورات من مستوى القلق الغربي حيال آفاق التعاون الروسي – الإيراني، وخصوصاً على الصعيد العسكري، وأعرب مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان عن قلقه بشأن التعاون العسكري بين إيران وروسيا وكوريا الشمالية، مدعياً أن المقترحات الدفاعية الروسية لإيران وكوريا الشمالية يمكن أن تزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة غرب آسيا والمحيط الهادئ.
وقال المسؤول الأميركي: «نحن نراقب عن كثب أيضاً المقترحات العسكرية الروسية، وإذا أعطت روسيا أسلحة لإيران، فإن ذلك سيزعزع استقرار الشرق الأوسط».
ورداً على سؤال حول العلاقات العسكرية بين كوريا الشمالية وإيران، أشار سوليفان إلى «روابط» في التعاون الدفاعي بين البلدين. وقال: «من وقت لآخر، على مدار سنوات عديدة والعديد من الإدارات، شهدنا روابط مختلفة في التعاون الدفاعي بين كوريا الشمالية وإيران، والتي جاءت وذهبت، ومد وجزر».
وأشار سوليفان إلى أن الجديد أو المختلف على مدار العامين الماضيين هو تعميق التعاون بين روسيا وإيران، وبين روسيا وكوريا الشمالية.
وأضاف: «نعتقد أن هذا أمر يثير قلقاً بالغاً لأمن أوروبا، خارج حدود أوكرانيا». وأضاف: «نحن قلقون أيضاً بشأن ما قد يحدث في الاتجاه الآخر. ما الذي ستقدمه روسيا لكوريا الشمالية أو إيران والذي سيزعزع استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو يزعزع استقرار الشرق الأوسط؟».