تيلر كوين
TT

حذارِ من الألاعيب المتشابكة لحرب روسيا في أوكرانيا

«احذر من اللعبة المتشابكة»، هي واحدة من أقل الأقوال شهرة ولكنها مفيدة للغاية ويجب وضعها في الاعتبار عند متابعة الشؤون الدولية. ومن الأهمية بمكان الآن الإشارة إلى أن ليتوانيا أعلنت فرض حظر على السلع الروسية الخاضعة للعقوبات.
اللعبة المتداخلة كما تبدو هي لعبة داخل لعبة. فاللعبة تتفهم جيداً أن الجهات الفاعلة في غالبية أوضاع العالم الحقيقي ليست موحدة ولها دوافع متضاربة. والمثال الكلاسيكي هو فشل اتفاق سلام مقترح في الشرق الأوسط لأن بعض الفصائل المتشددة رعت هجوماً إرهابياً أو اغتيالاً. لم يكن الاتفاق قط مجرد تعامل الطرفين مع بعضهما، إذ إن كل جانب يتعامل أيضاً مع صراعاته الداخلية.
يمكن أن تساعد نظرية اللعبة المتداخلة في زيادة فهم الحرب الروسية في أوكرانيا أيضاً، وللأسف تظهر أن خطر التصعيد يتفاقم. تقيس غالبية تقييمات الحرب القوة العسكرية النسبية لكل جانب، وهو أمر مهم بالتأكيد - وكذلك الألعاب المتداخلة. روسيا وأوكرانيا ليستا متجانستين، حيث تضم كل دولة العديد من المصالح والآراء المتنوعة، خصوصاً إذا تم تعريف «أوكرانيا وحلفائها» بأنهم جانب واحد من الصراع.
أعلنت ليتوانيا أنها ستمنع شحنات البضائع الخاضعة للعقوبات بالسكك الحديدية إلى ما يسمى الأرض الروسية المستحاطة في كالينينغراد، وهو موقع أمامي للأراضي الروسية تحيط به ليتوانيا وبولندا وبحر البلطيق، مع عدم وجود اتصال بري مباشر بالبر الروسي. تدّعي ليتوانيا، بشكل غير صحيح، أن مثل هذا الحصار يأتي من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
ورغم ذلك، من وجهة نظر روسيا، قد يبدو الأمر وكأنه عمل من أعمال الحرب عندما يقطع أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) جزءاً من الاتصال بين كالينينغراد والبر الرئيسي. وقد هدد مسؤولون روس مختلفون بالتصعيد والانتقام، بينما تركوا التفاصيل غامضة. وتزعم روسيا أيضاً أن هذا الحصار ينتهك اتفاقيات النقل السابقة مع ليتوانيا.
في حال لم تفرض ليتوانيا هذا الحصار، فليس من الواضح أن الاتحاد الأوروبي كان سيضطرها لفعل ذلك (تأخير أو إعادة التفاوض بشأن تعهدات الاتحاد الأوروبي أمر غير مسبوق، لا سيما عندما يمكن الاستشهاد بالاتفاقيات الموجودة مسبقاً مع الدول الأخرى)، وبهذا المعنى، كان الحصار قراراً استراتيجياً من جانب ليتوانيا. تتمثل إحدى وجهات النظر في استراتيجية ليتوانيا في أنها تجبر أو تحفز حلفاءها على تأكيد دعمهم، في وقت غير مناسب للأعمال العدائية.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت هذه استراتيجية حكيمة لليتوانيا. لكن النقطة المهمة هي أن مصالح ليتوانيا ليست متطابقة مع مصالح «الناتو» أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. وبالنظر إلى بعض مخاطر التصعيد الروسي، وفي ضوء وجهة نظري القائلة إن معاقبة كالينينغراد ذات أولوية منخفضة، كنت شخصياً سأفضل لو لم تتخذ ليتوانيا هذا القرار.
بدلاً من ذلك، بقيامها بلعبة متداخلة، جعلت ليتوانيا الأمور أكثر خطورة بالنسبة لبعض الأطراف المعنية الأخرى. وجعلت ليتوانيا أيضاً من الصعب التنبؤ بمسار الصراع لأن الأعمال العدائية يمكن أن تمتد إلى دول البلطيق أيضاً.
الآن قد يرى بعض اللاعبين الصغار في المنطقة، خصوصاً أولئك الذين يخشون روسيا أكثر من غيرهم، مزايا في تصعيد الصراع. من الحكمة التقليدية أن الوقت الآن في صف روسيا، لذلك قد تشعر الدول الأصغر بإحساس بالإلحاح، وهو ما لا تفعله دولة مثل ألمانيا، على سبيل المثال.
تميل الألعاب المتداخلة إلى تعقيد المواقف بدلاً من تبسيطها. هل العامل المثير للقلق هنا ليتوانيا أم الولايات المتحدة كما يرى البعض؟ ما هي بالضبط الانقسامات في الرأي داخل الحكومة الليتوانية؟ ما رأي بولندا في توقيت هذا التصعيد المحتمل؟ بالحديث عن ذلك، كانت بولندا تلعب ألعاباً متداخلة طوال الوقت؛ حيث تواجه قرارات مستمرة حول كيفية المشاركة بشكل مباشر في توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، التي يمكن أن تزيد من خطر الهجمات الروسية في الأراضي البولندية.
مجرد تحديد جميع الأسئلة المختلفة يمكن أن يكون أمراً مذهلاً. وبهذه الطريقة، تعمل نظرية الألعاب المتداخلة كنوع من البدائل لنظرية الألعاب وقدرتها الكبيرة على التنبؤ بالمستقبل. ولكن هنا يكمن الخطر أيضاً.
نظرية الألعاب ليست صحيحة دائماً بشأن المستقبل بالطبع. لكنها نظام مفيد لأنه يجبر الناس على التفكير في أسوأ النتائج الممكنة. تكمن خطورة نظرية الألعاب المتداخلة في أنها يمكن أن تؤدي إلى قبول المنطق الداخلي لفصيل أو موقف ضيق - وبمجرد بدء الحروب، فإنهم يميلون إلى تطوير منطقهم الخاص. عبر مراحل التاريخ، خرجت حروب كثيرة جداً عن نطاق السيطرة لأسباب تبدو تعسفية أو غير منطقية أو ببساطة غير ضرورية، ولكنها منطقية في ظل نظرية الألعاب المتداخلة.
كل ذلك وسيلة للقول إن قيمة نظرية اللعبة المتداخلة تكمن في قوتها التفسيرية، وليس قيمتها التنبؤية. وبمجرد أن تترسخ الألعاب المتداخلة ستزداد مخاطر التصعيد.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»