نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

حدود لأربعة كيانات

حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تسريب محتوى لقائه مع السيدة موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، والجديد فيما سرب نتنياهو هو دعوته للفلسطينيين عبر الاتحاد الأوروبي للالتحاق بالمفاوضات، ولكن هذه المرة ليس على حدود الدولة الفلسطينية أو حدود الدولة العبرية، وإنما على حدود المستوطنات التي يقترح نتنياهو تجميعها على نحو ينشأ فيه كيان رابع إلى جانب الكيانات الثلاثة التي تتعامل معها إسرائيل وهي غزة والضفة وإسرائيل ذاتها.
حدود غزة ليست بحاجة إلى تفاوض، وكذلك حدود الدولة العبرية، والتي أضيفت إليها القدس الشرقية، أما الحدود القابلة للتفاوض فهي حدود المستوطنات وما يتبقى بعدها من الضفة الغربية.
السيد نتنياهو رسم خرائط الكيانات الأربعة على الأرض قبل أن يطرحها كتوجه سياسي تفاوضي، وكل ما فعله وسيفعله يصب في طاحونة هذا التوجه، فما الذي يراه نتنياهو عوامل مساعدة لتكريس حل الكيانات الأربعة؟
أول عامل كان نتنياهو يحسب حسابه هو الأميركي، ولعلنا ما زلنا نذكر جهود السيد كيري التي بنيت أساسًا على حل الدولتين، مع إنهاء ملفات قضايا الوضع الدائم، ونجح نتنياهو فعلاً في إفشال جهود كيري، ليس على هذا المسار فحسب، وإنما بما هو أعمق، حيث قام بعملية ردع مسبق لأي جهد أميركي، ما حمل الرئيس أوباما على التسليم باستحالة تحقيق حل الدولتين مع أنه كما يقول هو الحل الأفضل، وحين يعلن الرئيس أوباما موقفًا كهذا مع انشغاله المباشر في ملفات أخرى، فما الذي يمنع نتنياهو من المضي قدمًا في تهيئة الأرض لسيناريوهاته الخاصة وفرض الحل في الواقع حتى قبل الذهاب إلى أي شكل من أشكال المفاوضات، كما أن نتنياهو الذي داعب مخيلة الاتحاد الأوروبي بمصطلح موافقته على حل الدولتين، يرى في اقتراح التفاوض على حدود المستوطنات عنصرًا فعالاً في تجويف أي مبادرة أوروبية تطرح ولو لمجرد ملء الفراغ بعد الاستنكاف الأميركي عن العمل على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
لقد أقام نتنياهو جدارًا عاليًا أمام أي دور أوروبي محتمل، واختار بدهاء السيدة موغيريني لتكون أول من يتلقى هذه المبادرة، وبالتأكيد فإن توجهه هذا سوف يوضع في الاعتبار كلما ناقش الاتحاد الأوروبي أوضاع الشرق الأوسط والملف الفلسطيني - الإسرائيلي بالذات.
لقد رفض الفلسطينيون على الفور طروحات نتنياهو، وكان الرفض منطقيًا، فلا يستطيع أي فلسطيني أن ينخرط في مفاوضات جوهرها ترسيم حدود المستوطنات، والسيد نتنياهو يعرف جيدًا استحالة وجود شريك فلسطيني في سيناريو كهذا، غير أنه واعتمادًا على العجز المنتشر كالوباء في المحيط الشرق أوسطي، لا يرى ما يمنع من أن يطبخ توليفته على نار هادئة وبأقل قدر من التدخل والاعتراض الفعال.
لا أعرف ما هي الخطوات الفلسطينية التي يتعين القيام بها بعد إعلان الرفض القاطع لطروحات نتنياهو الجديدة، فهل يسرع الفلسطينيون خطاهم نحو المؤسسات الدولية بدءًا من محكمة الجنايات وصولاً إلى مجلس الأمن؟ هل يدعون إلى اجتماع عربي على أي مستوى ممكن؟ حتى الآن لا يلوح في الأفق مؤشر حاسم على الاتجاه الفلسطيني في معالجة هذا التدمير الشامل للقضية، بل وللحدود الدنيا لحلول ممكنة لها.
ثم ما يتعين على الفلسطينيين التأكد منه هو كيفية تعاطي الاتحاد الأوروبي مع سيناريو نتنياهو فيما هو غير الموقف النظري بعمومياته المألوفة التي عنوانها «ما زلنا نتمسك بحل الدولتين».