علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

الشيخ عبد المهيمن أبو السمح استهدف الجامعة العربية لا طه حسين

في مقال من مقالات محمد محمد حسين عن اللجنة الثقافية في الجامعة العربية، قال من ضمن ما قال عن محاضرة منير العجلاني (أثر اللغة في وحدة الأمة) التي ألقاها في (المؤتمر الأول للمجامع اللغوية العلمية – دمشق 1956) الذي نشرت الجامعة العربية محاضر جلساته: «ومنير العجلاني هذا لا يعترف بأن الإسلام رحم وصلة بين المسلمين»، ففتحت مجلة (الأزهر) هامشاً قالت فيه: «مع أنه من بيت علم إسلامي عريق. ولكن الثقافة الأجنبية فصلت الكثيرين عن بيوتهم». ثم لما قال عن منير العجلاني: «لأنه يجري في تعريف القومية العربية على قياسها بمقاييس أوروبا اللادينية التي روجها اليهود منذ الثورة الفرنسية اليهودية، يقول عند كلامه عن الدين بوصفه عنصراً من مقومات القومية: كان الدين في العصور الوسطى يجمع الشعوب ويفرقها، ولكن أثره في تكوين الأمم تضاءل في الزمان الحاضر، وربما أسقطه غلاة القومية من حسابهم»، فتحت المجلة هامشاً قالت فيه: «هذا في الغرب. أما في الشرق العربي فالدين أوسع أفقاً من مدلوله في الغرب، والعروبة أكثر تعاوناً مع الإسلام في ماضيها وحاضرها».
هذان الهامشان موجودان في كتاب (في وكر الهدامين)، مع نسبتهما كما في النص الأصلي لمجلة (الأزهر)، وموجودان أيضاً في الطبعة الأولى والثانية من كتاب (حصوننا مهددة من داخلها – في أوكار الهدامين) لكن محمد محمد حسين نسبهما إلى نفسه فيهما! وفي الطبعات اللاحقة من هذا الكتاب قام بحذفهما.
كاتب هذين الهامشين كان محب الدين الخطيب الذي هو مثل منير العجلاني من أسرة دمشقية.
في أثناء إعدادي لدراسة سميتها (خاطرات حول تسميات أوروبية وأميركية وشيوعية) التي نشرت في مجلة (المجلة) في 27 أبريل (نيسان)، 2013، عثرت في بيانات النشر في إحدى مكتبات الجامعات العربية، على أن كتاب (في وكر الهدامين) طبعته مطبعة (نهضة مصر).
وفي بيانات النشر في مكتبات الجامعات العربية، وفي دور الكتب المتوفر لديها نسخة من كتاب (في وكر الهدامين) يُذكر أنه طُبع في مكة، ولا تُذكر سنة محددة لتاريخ صدوره، وإنما يُذكر تاريخ تقريبي، وهو عقد الخمسينات الميلادية والسبعينات الهجرية.
وهذا ما جعلني أتوهم أن الكتاب طُبع طبعتين: الأولى رجحت أنها إما في عام 1958، وإما في أول سنة 1959. ولم أذكر في تلك الدراسة مكان طبعها. والأخرى، وهي طبعة مطبعة (نهضة مصر) افترضت أن تاريخ طبعها كان في أول عقد الستينات الميلادية.
ومؤخراً راجعت كتب التراجم المتأخرة التي اهتمت بالترجمة لمحمد محمد حسين، فوجدت أنها تذكر أن الكتاب طُبع في مكة.
ولأستوثق من صحة هذه المعلومة راجعت أولاً، كتاب علي جواد الطاهر (معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية) ولم أجد فيه معلومة عن الشيخ عبد المهيمن أبو السمح ناشر الكتاب، سوى هذه المعلومة التي ذكرها عرضاً وهو يترجم لأخيه الشيخ عبد الظاهر، وهي: «وللشيخ عبد الظاهر أخ يدعى الشيخ عبد المهيمن، يتولى الإمامة في الحرم مع غيره إلى هذا العهد».
كتاب علي جواد الطاهر يعنى بحصر كل ما طبع في السعودية، سواء أكان هذا المطبوع صاحبه سعودياً أم غير سعودي. وعدم إدراجه كتاب (في وكر الهدامين) في كتابه، مؤشر إلى أنه لم يطبع في مكة.
وثانياً، راجعت كتاب شكري العناني (المملكة العربية السعودية: دراسة ببليوغرافية) الصادر عام 1978، ولم أجد فيه ذكراً للكتاب. لكن لفتت نظري معلومة قالها الشيخ الجاسر في تقديمه لهذا الكتاب مشيداً بكتاب سابق له. فلقد قال عن كتابه (معجم المطبوعات السعودية: مسح مبدئي لما صدر منها حتى بداية 1393-1973)، إنه أول كتاب صدر في السعودية في موضوعه.
راجعت هذا الكتاب الصادر عام 1973، وعثرت فيه على إشارة إلى كتاب (في وكر الهدامين)، اقتصرت على ذكر مكان طبعه في مكة.
إنني أميل إلى أن الشيخ عبد المهيمن أبو السمح لم يطبع الكتاب في مكة؛ بل طبعه في مصر طبعة واحدة. فالشيخ بعد أن تحصّل على الجنسية السعودية لم تنقطع وشائجه وصلاته ببلده الأصلي مصر. بدليل أن كتاب أبي الحسن الندوي (كيف توجَّه المعارف في الأقطار الإسلامية) طبعه على نفقته في طبعته الخامسة في الإسكندرية عام 1961. كما ذكر ذلك أبو الحسن الندوي، في إحدى مقدمات طبعاته لهذا الكتاب بعد أن غيّر عنوانه.
وأظن أن الوهم بأن الكتاب طبع في مكة أتى من تعريفه بنفسه، بصفته ناشراً على غلاف الكتاب، ومن كلمة الناشر بأنه «إمام الحرم المكي».
في مقالات محمد محمد حسين الثلاثة في نقد نشاط اللجنة الثقافية بالجامعة العربية التي نشرها ضمن سلسلة مقالاته الأزهرية، تردد اسم طه حسين فيها منقوداً بصفته رئيس تلك اللجنة.
ومع أن المقال الأول كان يتناول بالنقد مقال كامل عياد (مستقبل الثقافة في المجتمع العربي) ومقال عبد الرزاق السنهوري (القانون المدني العربي) المنشورين في الجزء الثاني من كتاب (العالم العربي – مقالات وبحوث) الصادر عام 1953، أيام كان أحمد أمين هو المسؤول عن إدارة اللجنة الثقافية بالجامعة العربية، إلا أن اسم طه حسين تردد في هذا المقال منقوداً.
ففي مستهل تناوله لمقال كامل عياد قال: «يبدو من عنوانه أن صاحبه يعارض كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) لطه حسين. والواقع أنه لا يعارض الكتاب في عنوانه فحسب، ولكنه يعارضه –كما سنرى– في أسلوبه الفكري أيضاً، ويتفوق عليه في جرأته على الدين، وإسرافه في إنكار ما وراء المادة المحسوسة الملموسة من عالم الغيب، ومحاربة كل مواريثنا الدينية والأدبية والاجتماعية على الإطلاق».
وفي معترك تناوله للمقال قال عن صاحبه: «لأنه يريد فيما يبدو أن ننقل الحضارة الغربية، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد وما يعاب، كما صنوه طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) في الفقرة 9 من كتابه».
وقال في هذا المعترك أيضاً: «فهذا الذي يدعو إليه الكاتب، ويدعو له طه حسين وأضرابهما من المتفرنجين الذي يدعون إلى ثقافة الغرب بغير نقد أو تمييز، لا شك أنه كما وصفه مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: ...».
وفي نقده لمقال السنهوري قال: «وهنا يلتقي السنهوري بطه حسين الذي اقترح في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) إنشاء معهد للدراسات الإسلامية في كلية الآداب. كما يلتقي بمحمد خلف الله في اقتراحه الذي تقدم به إلى وزارة التربية والتعليم عن إعداد مدرّس الدين. فاقترح فيه أن يعاد النظر في تكوينه وإعداده، وأن يرسم لذلك منهج جديد يحقق له عمق الثقافة وحرية الكفر. وبنى على ذلك اقتراحاً بإنشاء قسم أو شعبة للدراسات الإسلامية في كل كلية للآداب بالجامعات المصرية، تدرِّس فيما تدرّسه سيكولوجية الدين، والنظم الدينية والأخلاقية المقارنة، ولغة أو لغتين شرقيتين، كالفارسية والأوردية، ولغة أو لغتين غربيتين، ليكونوا على اتصال بتيارات الفكر الثقافي في الشرق الإسلامي وفي الغرب».
وفي مقاليه التاليين لمقالاته الثلاثة عن نشاط اللجنة الثقافية بالجامعة العربية، الأول عن التعليم العام في مصر، والآخر عن الجامعات المصرية، بسط أسانيده في معارضة إنشاء (شعبة الدراسات العربية الحديثة) و(شعبة الدراسات الإسلامية).
ولأنه قد يلتبس على القارئ فهم معارضة إسلامي لإنشاء شعبة للدراسات الإسلامية أو قسم للثقافة الإسلامية في الجامعات المصرية، سأورد أسانيده، كما ذكرها في مقاله الثاني، وهي الأسانيد التي زاد فيها وطورها في منتصف السبعينات الميلادية.
السند الأول، أن إنشاء (شعبة الدراسات العربية الحديثة) يرجعها إلى إنشاء كلية الآداب في الجامعة المصرية الأهلية؛ بل رأى أنه من الممكن إرجاعها إلى إنشاء دار العلوم في عام 1872.
وإنشاء هذه الدار عنده كان «من الخطط والأساليب التي استهدف بها الإنجليز إضعاف الأزهر؛ لأنه كان يصبغ التعليم بالصبغة الإسلامية في مصر؛ بل في البلاد الإسلامية عامة والعربية خاصة، وذلك بمحاصرته وعزله عن الحياة، وسد أبواب الرزق أمام المتخرجين فيه، وحصرها في باب واحد هو خدمة المسجد».
السند الثاني، أن طه حسين في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) كان قد اقترح إنشاء معهد للأصوات لدراسة اللهجات قديمها وحديثها، وإنشاء معهد للدراسات الإسلامية يلحق بكلية الآداب.
كتاب طه حسين هذا يضعه ضمن تصور تآمري، فهو «الذي كتبه طه حسين في أعقاب معاهدة 1936، والذي أصبح مكانه من كل حركات الهدم التي يسمونها إصلاحاً مثل مكان الدستور من القوانين».
السند الثالث، أن محمد خلف الله أحمد، زميله في قسم اللغة العربية، وعميده في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية الذي أحيا مشروعَي (الدراسات العربية الحديثة) و(الدراسات الإسلامية) مرة ثانية، استوحاهما من كتاب طه حسين السالف، ومن مؤتمر الثقافة الإسلامية الذي عقد في أميركا في صيف 1953 الذي كان أحد حضوره. فالمشروع الثاني «قريب الصلة بما جاء في كلام الإسماعيلي المتجلنز آصف علي فيظي عن الإسلام الهندي المتأثر بالمذاهب الغربية، والذي أنشئت جامعة عليكرة، الكلية المحمدية الإنجليزية، لنشره وترويجه».
يخبرنا محمد محمد حسين أن المشروع الأول نجح في اتخاذ طريقه إلى التنفيذ بإنشاء شعبة في قسم اللغة العربية بجامعة الإسكندرية. ويظهر شماتته بقوله هذا: «وهي شعبة لا تزال –لحسن الحظ– حبراً على ورق، منذ أن أنشئت في سنة 1955».
ويخبرنا أن المشروع الثاني قدمه محمد خلف الله أحمد، بصفته عضواً في لجنة التربية الدينية بوزارة التربية والتعليم.
ويقيم اعتراضه على هذا المشروع «على أساسين: أولهما استبعاد الأزهر من القيام بوظيفة التعليم؛ لأن مناهجه لا تحقق للدارسين فيه (عمق الثقافة وحرية الفكر)، وثانيهما هو الصبغة المصرية التي تبرز في الإشارة إلى مهمة مصر القيادية، في حل مشكلات الحياة المعاصرة ومسايرة التطور الاجتماعي، وهو تطور غربي بالبداهة، كما تبرز في إمداد الدارس بما يقوي الاعتزاز بفقهاء الإسلام وعلمائه من المصريين خاصة، مما يوجد لوناً من الشعوبية الإسلامية يشبه الشعوبية السياسية».
وعودة إلى كتاب (في وكر الهدامين) الذي كان الشيخ عبد المهيمن أبو السمح جامعه وناشره، عليَّ أن أوضح أن اختياره لجمع مقالات محمد محمد حسين عن نشاط اللجنة الثقافية بالجامعة العربية التي استهدف فيها الأخير طه حسين بالتعريض والتشنيع السياسي والوطني والديني، لم يكن هو دافع الشيخ في اختيارها لجمعها في كتاب. فلو كان هدفه طه حسين لضم معها المقالين التاليين اللذين كرر محمد محمد حسين فيهما الهجوم على طه حسين. فهدفه كان الجامعة العربية. إذ من الواضح أنه كان معارضاً لإنشائها، لتعلقه بفكرة الجامعة الإسلامية. وهو الأمر الذي دعاه -كما ذكرنا في مقال سابق- إلى أن يعبث في عنوان المقال الأول من مقالات الكتاب التي جمعها، ويقحم فيه اسم الجامعة العربية، مع أن المقال ليس له شأن بالجامعة العربية وبنشاط لجنتها الثقافية.
والذي دفعه إلى أن يضم مقالاً مع مقالات لا وحدة بينه وبينها في الموضوع أمر يتعلق بشغفه بالجامعة الإسلامية. ففي هذا المقال قال محمد محمد حسين في رجعة إلى الوراء، أي مصر في أول القرن الماضي وعشريناته وثلاثيناته: «وأكثر ما كان هذا الشطط في مذاهب دعاة العزلة والانفصال الذين كانوا يعارضون الإسلام والعروبة، بالفرعونية في الفترة التي تلت إلغاء الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كان يزعم هؤلاء الغلاة من الانفصاليين أن تغير الدين في مصر من الوثنية إلى المسيحية ثم الإسلام، وتغير الكتابة واللغة فيها من الهيروغليفية إلى العربية، لم يقطع ما بين مصر الحديثة ومصر القديمة من صلات...».
ويقتضي هذا التوضيح توضيحاً آخر، فالسلفيون أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لا يعرفون من أمر الجامعة الإسلامية، فكرة وتياراً، شيئاً. ولم يكترثوا لإلغاء كمال أتاتورك الخلافة الإسلامية. فكيف صار الشيخ عبد المهيمن أبو السمح من أنصار الجامعة الإسلامية؟!
نذكّر بأن الشيخ عبد المهيمن أبو السمح في الأصل سلفي مصري، نشأ وترعرع في مصر. وفي مصر كان تيار الجامعة الإسلامية من التيارات السياسية والفكرية البارزة فيها. وكان من أنصاره حزب ذو صبغة علمانية وشخصيات متعلمنة، فضلاً عن جماعة دينية سياسية كـ«الإخوان المسلمين»، وجمعيات دينية أخرى، وشخصيات تنتمي للسلك الديني.
وللتدليل على أن مقالات محمد محمد حسين التي اهتم الشيخ عبد المهيمن أبو السمح بجمعها في كتاب تمثل رأيه وحده، أشير إلى أن اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية التي اتهمها الأول، واتهم رئيسها طه حسين باتهامات سياسية ووطنية ودينية، عقدت أول اجتماع لأعضائها خارج مصر بناء على اقتراح تقدم به إليهم طه حسين، عقدته في جدة عام 1955، برعاية الأمير فهد بن عبد العزيز، وزير المعارف في السعودية آنذاك.
وفي الاجتماعات الأولى لأعضاء هذه اللجنة في عهد رئيسها طه حسين، قال في أحدها لهم: «لقد تلقينا تبرعاً كريماً من مواطن عظيم الفضل من مواطني المملكة العربية السعودية، وبفضله سننشر كتاباً عن أهم كتب التاريخ العربي في القرون الثلاثة الأولى». راجع كتاب صهره محمد حسن الزيّات: (ما بعد الأيام).
أظن أن المواطن السعودي عظيم الفضل هو محمد سرور الصبّان، وذلك اعتماداً على تغريدة كتبها الصديق المؤرخ وكاتب السير محمد السيف، قال فيها: «من مقولات عميد الأدب العربي طه حسين التي يجب أن تكون خالدة في أذهاننا، قوله: إن أيادي محمد سرور الصبّان تصلني أينما كنت في مصر أم في غيرها، وإني لأدين له بالشيء الكثير».
أقول أظن لأنني لست مستيقناً، وإلا فالخبر اليقين في جعبة الصديق المؤرخ والناقد حسين بافقيه، عن اسم الرجل واسم الكتاب الذي دعم مالياً نشره. وللحديث بقية.