الياس حرفوش
صحافي وكاتب سياسي لبناني، عمل مسؤولاً في القسم السياسي في مجلتي «الحوادث» و«المجلة»، وكان له مقال أسبوعي فيهما. كما عمل في صحيفة «الحياة» التي شارك في إدارة تحريرها، وكان كاتباً ومشرفاً على صفحات «الرأي» فيها. أجرى العديد من المقابلات مع شخصيات عربية ودولية، وشارك في حوارات ومقابلات تلفزيونية معلقاً على أحداث المنطقة.
TT

حرب المائة يوم... متى تنتهي؟

هذا هو اليوم المائة من الحرب الروسية في أوكرانيا. ولا أحد يملك الجواب عن الطريقة التي ستنتهي بها هذه الحرب ولا عن عدد الشهور أو السنين (؟) التي ستستغرقها. الأكيد أن روسيا وحلفاء أوكرانيا الغربيين دخلوا (وأدخلوا العالم معهم) في مغامرة صار صعباً العثور على مخرج منها. كميات الأسلحة القادمة إلى الجبهة الأوكرانية، وأكثرها تطوراً الصفقة الأخيرة من الصواريخ الأميركية التي يصل مداها إلى 70 كلم، من بين حزمة أسلحة تبلغ قيمتها 700 مليون دولار، لن تفعل سوى «زيادة صب الزيت على النار»، كما وصفها بحقّ الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف. أما الرئيس بايدن فقد أكد أن هذه الصواريخ لا تستهدف روسيا، ولا توجد خطط في واشنطن لإسقاط الرئيس بوتين، ورأى من جهة أخرى أنها تعزز موقف أوكرانيا في المفاوضات، وتزيد فرص التوصل إلى حل دبلوماسي.
موسكو قرأت رسالة أخرى من صفقة الصواريخ هذه، وحذرت وزارة الخارجية الروسية من أن هذه الأسلحة سوف تزيد مخاطر المواجهة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة، بسبب المخاوف من بلوغها أهدافاً داخل الأراضي الروسية. وبالطبع، ترى موسكو أن زيادة تسليح أوكرانيا تزيد تصلب موقفها وليس العكس.
بحساب المكاسب، يصعب العثور على رابح من هذه الحرب حتى الآن. سياسياً وعسكرياً، كل المتورطين خاسرون. لا أتحدث هنا عن الأضرار التي أصابت الاقتصاد العالمي وإمدادات الطاقة والغذاء والكلفة اليومية لعيش المواطنين في معظم أرجاء الكرة الأرضية. دعونا ننظر إلى ما حققته الأطراف المتحاربة بعد هذه الأيام المائة من الحرب.
دخل بوتين الحرب لحماية القاطنين في المناطق الشرقية من أوكرانيا من «الإبادة»، ولنزع سلاح أوكرانيا وتنظيفها من «النازيين». ودخل الغرب الحرب لنصرة أوكرانيا التي تعرضت في نظر الحكومات الغربية لـ«عدوان» على سيادتها ووحدة أراضيها. وأصحاب الحجتين على الجانبين عجزوا إلى الآن عن تحقيق الكثير من أهدافهم.
فحرب «الإبادة» التي يقول بوتين إن أصدقاءه في شرق أوكرانيا كانوا يتعرضون لها، لا تقارن بما يتعرضون له اليوم، بعدما صارت أراضي منطقة الدونباس مسرحاً لأشد مراحل الحرب ضراوة. وبدلاً من نزع سلاح أوكرانيا صار هذا البلد محطة لتجارب مختلف أنواع الأسلحة الغربية. فيما تصاعدت النزعة القومية ومشاعر العداء لروسيا بين الأوكرانيين. أما الغرب الذي نجحت أسلحته في دعم المقاومة الأوكرانية ومنع سقوط العاصمة كييف وبالتالي حماية حكومة الرئيس زيلينسكي، فقد فشل حتى الآن في مساعدة أوكرانيا لاستعادة مناطقها الشرقية، وعلى العكس، تتقدم القوات الروسية هناك وتستولي على أراضٍ جديدة، بعدما حوّلت جهدها للسيطرة الكاملة على هذه المناطق، وتخطط لضمها إلى الأراضي الروسية لاحقاً.
يزيد غياب الوساطات من مخاطر تدهور هذه الحرب صوب أسوأ السيناريوهات. اللقاء اليتيم بين الجانبين على مستوى وزيري الخارجية عقد بوساطة تركية في 29 مارس (آذار) الماضي. ومنذ ذلك التاريخ ظهرت مبادرات كثيرة، آخرها عرض من إيطاليا رفضه الروس، فيما تتكرر الاتصالات بين بوتين وعدد من القادة الغربيين، أبرزهم الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني شولتس، من دون أن تخرج أي تفاصيل عن عروض لتسوية النزاع، أو مواقف أكثر ليونة من أحد الطرفين.
وفي ظل تصعيد المواقف المتقابلة، يصبح العثور على حل وسط، أو ما يوصف بإنزال المتحاربين عن الشجرة، أكثر صعوبة. ما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها روسيا؟ وعلى ماذا يمكن أن يوافق الغربيون؟ بوتين لن يقبل بأقل من السيطرة الكاملة على منطقة الدونباس، بعدما أصبحت صورته وموقعه داخل القيادة الروسية على المحك. أي أنه سيعتبر مطلب العودة إلى ما قبل حدود 24 فبراير (شباط) الماضي إعلاناً لهزيمته. والدول الغربية التي وظفت ثقلها السياسي وإمكاناتها الاقتصادية والعسكرية بهدف منع تسجيل سابقة في أوروبا بكسب أراضٍ بالقوة المسلحة، لا يمكن أن تقبل الآن بحل «وسط» يبقي قوات بوتين في المناطق التي سيطرت عليها بعد هذا التاريخ. للتسجيل، أميركا وحدها أنفقت إلى الآن على هذه الحرب 14 مليار دولار، كما وافق الكونغرس على حزمة مساعدات إضافية بقيمة 40 مليار دولار.
وفيما يرى خبراء غربيون في تسوية النزاعات المسلحة أن المخرج الذي يمكن أن يقبل به الغرب هو العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل قيام بوتين بـ«عمليته الخاصة»، بمعنى السكوت عن ضم شبه جزيرة القرم ودفع أوكرانيا إلى القبول بذلك، مع إمكان قيام نوع من «الحكم الذاتي» في الأماكن المتنازع عليها في الشرق الأوكراني، فإن من الصعب أن يوافق بوتين على ذلك إلا إذا شعر بأن جيشه يواجه الهزيمة، وهو ما لا يشير إليه الوضع اليوم.
في المقابل، تصدر أصوات في الولايات المتحدة وفي عواصم غربية أخرى تطالب بعدم إيصال العلاقة مع موسكو إلى القطيعة الكاملة، بحجة أنها في «البيت الأوروبي»، ومن الضروري المحافظة على علاقات طيبة معها. وإلى جانب افتتاحية «نيويورك تايمز» قبل أسبوع التي اعتبرت أن هزيمة روسيا فكرة «خطيرة وغير واقعية»، كانت مداخلة هنري كيسنجر في منتدى دافوس التي أثارت ردود فعل متباينة، والتي نصح فيها بعدم دفع موسكو إلى «حلف دائم» مع الصين.
غير أن هذه الأصوات تبقى خافتة يحجبها هدير الدبابات وقصف الصواريخ. فالأرجح أن ساحة المعركة هي التي ستحدد مسير التطورات المقبلة. والرئيس زيلينسكي يرى أن هذه الحرب سيتم كسبها في ساحة القتال، لكن وقفها سيكون على طاولة المفاوضات. وقصده أن التفاوض سيكون بين المهزوم والمنتصر.
إشارة مبالغة في التفاؤل، كما أنها غير مطمئنة ولا ودية للرئيس بوتين.