حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

مستفزون في خدمة المتشددين

في عالمنا العربي يوجد عدد محدود من الإعلاميين والمثقفين يُعتبرون الأشد حرباً على المتطرفين والإرهابيين، وهذا مطلوب، ولكن أقول إنَّ الأساليب العنيفة والكتابات الاستفزازية تساهم في تعزيز وتقوية التطرف والإرهاب، فالطروحات المثيرة للجدل المستفزة للشريحة الواسعة المعتدلة من عامة الناس نموذج لهذا الصنف.
المتطرفون والإرهابيون و«الدواعش» و«القاعديون»، وكل من دار في فلكهم، أو تأثر بفكرهم في القديم والحديث، يأخذون من الدين ومن تعاليمه وتشريعاته وحلاله وحرامه وسننه وواجباته مثلما يأخذ عامة الناس، ولكن عندهم تشوهات خطيرة في فهم النصوص والأحكام، ومصادر التلقي، وخلل في إنزال الأحكام الشرعية على الواقع، ما يجعلهم يختلفون بشدة عن عامة الناس الطبيعيين المحافظين، ولهذا كان التحذير النبوي منهم جلياً: «يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة»، فهم مع شديد الأسى والحزن يمارسون ما يمارسه عامة الناس العاديين من ذوي التدين الطبيعي. وهنا يقع اللبس على شريحة من المثقفين الذين يهاجمون كل شيء يفعله المتشددون والإرهابيون، ولو كان من صميم الدين وتعاليمه ومظاهره وهيئاته، وأعتقد أن هذا يعد هو الآخر غلواً وتشدداً، فالمجادلة ينبغي أن تكون بالحسنى.
وهناك قضايا عدة منها مثلاً هناك من وصف الحجاب والنقاب بأنه رمز التطرف (ومفيش في الدين حاجة اسمها حجاب)، والنقاب سُنة «داعشية» ولو كانت تلبسه أمه وعمته وجارته (خذ جولة يوتيوبية في قديم العرب في القرن التاسع عشر، لترى أن النقاب كان شائعاً في دول الشام والعراق ومصر والجزيرة العربية ودول شمال أفريقيا)، وأن رفع الأذان تخلف ورجعية، واللحية منافية للذوق (لكنها من وجهة نظره هيبة ووقار عند الأحبار والقسيسين والرهبان)، ويصف الاهتمام بشعائر الصوم بأنها (مظاهر تدين جوفاء).
هذه ليست تهماً من نسج الخيال، بل نلمسها على أرض الواقع.
البلطجية ليست فقط عصابات العنف التي تقتات على الاعتداءات على الوادعين المسالمين بالمطاوي والهراوات فحسب؛ بل هناك فئة «قليلة» بائسة يائسة لمثقفين عرب فيهم بلطجة آيديولوجية، لا يرتاحون ولا يهدأ لهم بال حتى يناكفون الناس في شعائر دينهم ومعتقداتهم ومذاهبهم ورموزهم، ولا تفرق بين التشدد وأحكام الشرع، ولا بين التطرف وتطبيق السنن. هذه الفئة المحدودة المعدودة لو انقطعت عن الاستفزازات فستختنق كما يختنق الإنسان حين ينقطع عنه الأكسجين، وهي للأسف تخدم، من حيث تدري أو لا تدري، الإرهابيين والمتشددين؛ لأنها دوماً تسوّق لنفسها على أنها حامية للدين من المتهجمين عليه المنتقصين له، وهذا الطرح المتشدد يجد من يتعاطف معه من الشريحة الكبيرة المحافظة الوسطية المعتدلة.