د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

التسويق في عيد الفطر المبارك

الأعياد والإجازات أحد أهم المحركات والمواسم المنشّطة للاقتصادات؛ حيث تغيّر الأعياد السلوك الاستهلاكي للمجتمع ولو بشكل مؤقت، وقد تجدد وتخلق أعرافاً سلوكية جديدة، مما يعطي فرصاً ابتكارية للنشاطات التجارية. وبينما يعطي عيد الأضحى المبارك حافزاً للقطاع الزراعي تحديداً بزيادة مبيعات الأضاحي، يتميز عيد الفطر المبارك بتنوع النشاطات التي تنتعش فيه من غير حصر على الأضاحي. وتشهد الأسواق في العالم الإسلامي أحد أهم مواسمها خلال أواخر شهر رمضان الكريم، بازدحام الأسواق، وشراء الملابس الجديدة والهدايا والمجوهرات.
وشراء الهدايا وزيادة النمط الاستهلاكي، هو أحد أكبر السلوكيات خلال عيد الفطر المبارك في العالم الإسلامي والعربي، لا سيما هذا العام، بعد عامين ضعفت فيها الاحتفالات بسبب الجائحة، وهو شبيه بشكل كبير بالمواسم الاحتفالية الأخرى في دول العالم، فيتنوع سلوك المستهلكين في شراء المنتجات والخدمات. فعلى سبيل الأمثلة -وهي كثر- أوضحت إحصائية أن من 50 في المائة إلى 80 في المائة من المصريين يشترون هدايا لأهلهم وأصدقائهم، وأن نحو 30 في المائة منهم يجددون أثاث منازلهم. كما ذكرت إحصائية أخرى أن أكثر من 40 في المائة من الإندونيسيين يخططون للسفر خلال عيد الفطر. ولكن الموسم التجاري لعيد الفطر لا يزال محصوراً حتى الآن في الدول المسلمة، ولم يواكب التوسع الذي حصل لمواسم شبيهة.
ويشهد عديد من دول العالم تخفيضات خلال عيد ميلاد المسيح نهاية العام الميلادي؛ بل حتى الدول غير المسيحية تشهد عروضاً تجارية تحاول استثمار هذا الموسم لتسويق منتجاتها وخدماتها. كما تقدم غالبية المواقع الإلكترونية اليوم عروضاً خلال «الجمعة السوداء»، وهي الجمعة التالية لعيد الشكر، والذي لا يحتفل به إلا الولايات المتحدة وكندا. كما يحتفل عديد من دول العالم بعيد الحب الذي لم يصبح شائعاً بشكل تجاري إلا بداية القرن العشرين، حين استغلت شركة «هالمارك» هذه المناسبة وبدأت في طباعة كروت تهنئة فيه، وهي إحدى أول الشركات التي استثمرت المناسبات السنوية بشكل تجاري كما هو متعارف الآن. كما تسوق غالبية المواقع الإلكترونية لـ«يوم الصناديق»، وهو أحد أهم أيام التسوق في بريطانيا.
وأيام التسوق هذه لا ترتبط بالأعياد الدينية أو أعياد الدول، فقد قامت الصين باستحداث «يوم العزاب» خلال العقد الماضي، وهو يوم الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وهو اليوم أحد أكبر مواسم التسوق الإلكتروني في العالم، من ناحية حجم المبيعات، إن لم يكن الأكبر على الإطلاق، بقيادة العملاق الصيني «علي بابا». كما قامت شركة «أمازون» باستحداث «يوم برايم» في شهر يوليو (تموز)، وتقدم فيه تخفيضات حصرية من خلال منصتها التجارية. كما تسوّق غالبية متاجر التجزئة والمواقع الإلكترونية لعيدَي الأم والأب اللذين استحدثا عامي 1917 و1924، ولم يصبحا موسمين تجاريين إلا بعد ذلك بعدة عقود.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ، أنه عند دخول موقع «أمازون» في أول أيام عيد الفطر، ستجد أن العروض التسويقية هي ليوم الأم، وليست للعيد الذي يحتفل به نحو ملياري مسلم حول العالم.
وغالبة المواسم التجارية لا ترقى في مجملها إلى حجم الاحتفالات والقوة الشرائية خلال عيد الفطر المبارك، ومع ذلك فإن تسويق هذا الموسم من القطاع التجاري لا يزال خجولاً ومحصوراً بشكل كبير في البلدان الإسلامية. بينما تجاوزت المواسم التجارية الأخرى -حتى تلك التي لا تمتلك إرثاً ثقافياً أو اجتماعياً– الحدود، لتصبح مواسم تسوق عالمية، تمكنت من خلالها الثقافات الأخرى من التسويق لثقافاتها وعاداتها، حتى وإن كانت هذه العادات ضحلة وهمجية، كما هو التدافع الذي يحصل بشكل سنوي خلال «الجمعة السوداء» في الولايات المتحدة. كما أن عيد الفطر المبارك لا يتميز فقط بقوته الشرائية من المستهلكين المقتدرين طوال أيام العام كما هو الحال لبقية المواسم؛ بل يتميز كذلك بزيادة القوة الشرائية للفقراء المستحقين للصدقات والزكوات والهبات الخيرية.
لا يزال أمام المسوّقين فرصة لاستثمار عيد الفطر المبارك على المستوى العالمي، وهي فرصة يمكن من خلالها نقل الصورة الثقافية لاحتفالات المسلمين في العيد، وجعل هذا الموسم موسماً تجارياً عالمياً كما هو الحال مع المواسم الأخرى. وفي ذلك التسويق فرص ابتكارية كثيرة يمكنها تنشيط المنتجات والخدمات الوطنية، والتسويق للسياحة المحلية.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأحاطكم بأهليكم وأحبابكم، وجعل عيدكم سعيداً، مليئاً بالفرحة والوصل والتراحم، وكل عام وأنتم بخير وصحة وسعادة.