جستن فوكس
TT

ما وراء الإصابة المتكررة بـ«كوفيد - 19»؟

في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، قبل أسابيع قليلة من إطلاق نتائج تجارب لقاحات «بيونتيك - فايزر»، و«موديرنا»، و«وأكسفورد - أسترازينيكا» للتصدي لـ«كوفيد - 19»، حذر عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن من أن اللقاحات ستكون محدودة الفاعلية في منع انتشار المرض.
وفي الحلقة رقم 62 من البث الصوتي (بودكاست) بعنوان «Das Coronavirus-Update»، الذي أطلقته قناة «دي إن آر»، في مارس (آذار) 2020، وهو ما جعل دروستن مشهوراً في ألمانيا، قال: «نحن نتعامل هنا مع عدوى تصيب الغشاء المخاطي، أي الأنف والحنجرة ثم الرئتين. تمتلك الأغشية المخاطية بالفعل نظام مناعة موضعياً خاصاً بها. فمع اللقاحات الحالية التي من المرجح أن يتم حقنها في العضلات، فإنها لا تصل إلى هذا الجهاز المناعي المحلي بشكل جيد. نتيجة لذلك، «ربما توفر اللقاحات حماية من المسار الحاد للمرض أكثر مما توفره من العدوى».
يوضح هذا بالضبط كيف تسير الأمور. فقد كانت اللقاحات فعالة بشكل مذهل في الوقاية من الأمراض الشديدة وحتى الوفاة، ناهيك بمنع انتقال العدوى.
جرى وصف دروستن في وسائل الإعلام الأميركية بأنه «فوتشي الألماني»، لكن اللقب يبدو غير منصف إلى حد ما. كان مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فوسي من كبار الباحثين في عصره، لكنه كان يدير وكالة حكومية كبيرة (ميزانية السنة المالية 2021 كانت 6 مليارات دولار) على مدار الـ38 عاماً الماضية. اقتصر ظهوره في وسائل الإعلام أثناء فترة الوباء في الغالب على قراءة إجماع الصحة العامة في الوقت الراهن، وكان بالفعل مفيداً عندما كان رئيس الولايات المتحدة بوقاً للمعلومات المضللة عن فيروس «كوفيد - 19»، وباستثناء ذلك لم يكن مفيداً.
قد يكون دروستن، مدير معهد علم الفيروسات في كلية الطب شاريتيه في برلين، خبيراً رائداً في فيروس كورونا على مستوى العالم، وهو مسؤول عن تحديد الفيروس الأصلي لمتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة في عام 2003 وابتكار أول اختبار تشخيصي لـ«كوفيد» المسبب لفيروس «سارس كوف 2» في يناير (كانون الثاني) 2020. تعليقه العام، الذي أعلن في شكل بث صوتي (بودكاست) بعد أن أصيب بالإحباط من التعامل مع البعض في وسائل الإعلام الألمانية، كان يميل نحو أحدث التطورات والتطلعات المستقبلية - كما يتضح مما كان يقوله عن اللقاحات في أكتوبر (تشرين الثاني) 2020.
أعيد سرد كل هذا كسياق لما قاله دروستن الشهر الماضي في الحلقة 113 والأخيرة حتى الآن لتحديث تطورات فيروس كورونا المنتظم. كان يتحدث مرة أخرى عن الغشاء المخاطي - أو حرفياً بالألمانية «الجلد اللزج» - ودوره في إبقاء الأمراض المعدية تحت السيطرة:
في الإنفلونزا، يحدث ببساطة أن يصاب الجميع بالعدوى عشرات المرات على مدار حياتهم. تحدث هذه الالتهابات في الغشاء المخاطي في الحلق. تحتوي أغشيتنا المخاطية على جهاز مناعي خاص بها. وكل فرد من الناس، باستثناء الأطفال، بالطبع، لديه كثير من الإصابات الماضية لدرجة أنه باتت هناك مناعة في الغشاء المخاطي. وهذا هو السبب في أن البالغين من السكان، وهم الغالبية العظمى ليسوا معدين.
هذه المناعة المخاطية هي التي تمنع الإنفلونزا من الانتشار معظم العام، مع تجاوز عدد مرات التكاثر الفعال للمرض (متوسط عدد الأشخاص الذين سيصابون به من كل شخص مصاب به) رقم 1 لبضعة أشهر فقط في الشتاء، عندما يكون في الأماكن المغلقة. ويبدو أن الازدحام والهواء الجاف وعوامل أخرى تؤدي إلى زيادة انتقال العدوى.
على النقيض من كوفيد، فإن اللقاحات الحالية تولد بعض المناعة المخاطية ولكنها تتلاشى بسرعة، وبينما توجد لقاحات بخاخ الأنف قيد التطوير تستهدف الغشاء المخاطي، فهي ليست جاهزة بعد، وكان هذا النهج ذا فاعلية مختلطة فقط ضد الإنفلونزا. وفي الوقت نفسه، أصيب أقل من نصف سكان ألمانيا بكوفيد، بحسب دروستن (في الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها هذا الأسبوع، تبلغ النسبة 57.7 بالمائة)، لذلك ربما لا توجد مناعة مخاطية كافية تقريباً هناك لمنع عدد التكاثر من الارتفاع مرة أخرى إلى 2 أو 3 أفراد لكل فرد في الخريف، ما يؤدي إلى موجة ضخمة أخرى من العدوى والضغوط المصاحبة على المستشفيات وتعطيل الحياة اليومية.
وقد تكهن دروستن بأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع ذلك قد يكون إصابة كثير من الشباب للمرة الثانية أو الثالثة خلال الصيف، لكنه أعرب عن شكه في أن هذا سيحدث فارقاً في عام 2022. كم مرة سيحتاج الناس إلى الإصابة للحصول على مناعة فعالة ضد انتقال العدوى، هذا ما سألته مراسلة العلوم في قناة «دي إن آر» ومنسقة البث الصوتي. وكان رد دروستن كما يلي:
«أعتقد أن نطاق العدوى من كل شخص مصاب لا يتخطى عدد أصابع اليد الواحدة. لكن لا أحد يستطيع الجزم في الوقت الحالي».
كان دور المناعة التي تمنحها العدوى في إبطاء انتشار كوفيد موضوعاً حساساً. في وقت مبكر من الوباء، تم التأكيد عليه من قبل عدد قليل من العلماء (وكثير من غير العلماء) الذين قللوا بشكل كبير من خطورة المرض المميتة. في وقت لاحق، بعد أن أصبحت اللقاحات متاحة، جادل معارضو التطعيم بأن المناعة الطبيعية كانت أفضل من النوع الذي تمنحه اللقاحات. الادعاء الأخير ليس خاطئاً تماماً - كما هو متوقع من تفسيرات دروستن. وهناك بعض الأدلة على أن العدوى السابقة توفر حماية أفضل ضد العدوى اللاحقة مقارنة باللقاحات الحالية (على الرغم من وجود أدلة مضادة أيضاً). لكن الحصول على جرعة يعد أقل خطورة بكثير من الإصابة بـ«كوفيد» لأول مرة، وبمجرد إصابتك بالعدوى، فإن اللقاحات تضيف حماية كبيرة ضد الإصابة مرة أخرى.
مع ظهور «كوفيد» الآن بين من جرى تطعيمهم وأولئك الذين يعانون من عدوى سابقة (أي الجميع تقريباً) باعتباره عدوى الجهاز التنفسي العلوي المعتادة، قد نحتاج أن نتعامل معه على أنه عدوى معتادة، وإن كان ذلك مع ارتفاع الوعي بأن انتشار مثل هذه الأمراض يمكن ويجب أن يتم إبطاؤه من خلال تدابير بسيطة مثل البقاء في المنزل وارتداء قناع عند المرض.
ووفقاً لبريتي برجمان، الطبيب الذي استمر في علاج حالات كوفيد في نيويورك منذ بداية ظهور الوباء، فإن الخطر الأكبر الوحيد هو «كوفيد طويل الأمد» المتمثل في حقيقة أن الحالات الخفيفة الآن قد تؤدي إلى مضاعفات في وقت لاحق. لكن العناية المعقولة بأعراض البرد والإنفلونزا من المرجح أن تكون أكثر فاعلية في كبح «كوفيد»، مقارنة بالنهج الحالي المتبع على نطاق واسع لإجراء اختبارات سريعة والاستمرار في الحياة المعتادة إذا عادت نتيجة الاختبار سلبية، ثم بعد أسبوع تبين أنها إيجابية.
ماذا عن بناء المناعة؟ قال برجمان إن تعريض الأطفال في وقت مبكر للجراثيم والمواد المسببة للحساسية يؤتي ثماره لاحقاً، لكن بالنسبة للبالغين «تكاليف المرض تفوق الفوائد». لذا نعم، من المحتمل أن يصاب غالبيتنا بكوفيد مراراً وتكراراً. ورغم ذلك، لا داعي للاندفاع والذعر.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»