عمر أنهون
TT

الحرب في أوكرانيا أكثر حدة وتعقيداً

ما زال الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن عن حُزَم المساعدات العسكرية. وقد زار كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، كييف، وأكدا مجدداً تصميم بلادهما على الوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد العدوان الروسي.
ومن بين جميع التصريحات السياسية، كان بيان وزير الدفاع أوستن هو الأكثر تميزاً. فقد ذكر أن «الولايات المتحدة تريد أن ترى روسيا وقد ضعفت إلى الحد الذي لا يمكنها معه أن تفعل الشيء نفسه الذي فعلته في اجتياح أوكرانيا».
وبمبادرة من الولايات المتحدة، اجتمعت 43 دولة من «الناتو» والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، من بينها اليابان وقطر والأردن وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا والمغرب وتونس وكينيا وإسرائيل، في قاعدة «رامشتاين» الجوية، المقر الرئيسي للقوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا والقيادة الجوية لحلف «الناتو». وسوف يتباين مدى إسهام هذه البلدان في دعم أوكرانيا. وكان إعلان ألمانيا اعتزامها تزويد أوكرانيا بأنظمة مضادة للطائرات لافتاً للنظر. ويأتي هذا في أعقاب القرار المتخذ سابقاً من جانبهم بتزويد أوكرانيا بأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات.
من جهتها، حذرت روسيا من أن تسليح أوكرانيا يهدد أمن أوروبا. واتهم وزير خارجيتها سيرغي لافروف حلف «الناتو» بشن حرب بالوكالة ضد روسيا، وأشار إلى «خطر حقيقي يتمثل في اندلاع حرب عالمية ثالثة». وقال بوتين إن أي دولة تحاول التدخل في الحرب الأوكرانية ستلقى ردة فعل «بالغة السرعة»، وإن روسيا تملك كل الأدوات ومستعدة لاستخدامها إذا دعت الضرورة. كما ردت روسيا، أيضاً، باستخدام موارد الطاقة لديها كسلاح مجدداً. ففي الماضي، قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا وجورجيا. والآن، وبعد تنفيذ تهديدها بوقف صادرات الغاز إلى الدول غير الصديقة، لم تعد شركة «غازبروم» ترسل الغاز إلى بولندا وبلغاريا. وتوفر روسيا 55 في المائة من واردات الغاز إلى بولندا. وفي حالة بلغاريا، بلغت مبيعات شركة «غازبروم» 90 في المائة. كما وصلت مبيعات الشركة من الغاز لأوروبا إلى نحو 150 مليار متر مكعب سنة 2021. ويستورد الاتحاد الأوروبي من روسيا نحو 45 في المائة من الغاز الطبيعي، و25 في المائة من النفط، بفاتورة استيراد تبلغ نحو مليار دولار يومياً من روسيا. والواقع أن هذه الصورة تثبت أن روسيا والاتحاد الأوروبي يعتمد بعضهما على بعض للغاية.
ويتطلع الاتحاد الأوروبي إلى سبل الإقلال من الاعتماد على الغاز الروسي، علاوة على التنويع، سواء من حيث نوع الطاقة أو من حيث المورِّدين.
ولكن ذلك ليس بالحل السهل أو السريع. وقد استثمرت مليارات الدولارات في شبكة توصيل الغاز القائمة. ثم، ورغم أن روسيا لا تحتكر الغاز الطبيعي أو وسائل التوصيل، فإن التحول إلى مورِّدين آخرين مثل قطر والسعودية والجزائر وإيران والنرويج وتركمانستان وأذربيجان، سوف يستغرق وقتاً طويلاً. ثم إن الالتزامات التعاقدية والمسائل الجيو-استراتيجية والسياسية المتصلة بالبلدان البديلة هي من الشؤون التي لا يمكن إغفالها. ومن جهة أخرى، قد يكون من الأسهل بالنسبة لروسيا العثور على مشترين بدلاء لغازها الطبيعي، على الأقل في الأمد القريب.
ما دور الأمم المتحدة؟
في بداية الحرب، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اجتياح روسيا بأنه انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة ولسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها. ثم حتى وقت قريب، كان كبير دبلوماسيي الأمم المتحدة غائباً عن الأحداث في الأغلب. وهذا الأسبوع، ذهب غوتيريش أولاً إلى موسكو، ثم إلى كييف. وفي موسكو، أكد أن القوات الروسية موجودة في أوكرانيا وليس العكس. وأعرب عن بالغ قلقه إزاء جرائم الحرب المبلّغ عنها (المتهم فيها الجانب الروسي). والأمر الواضح هو أنهم لم يتفقوا على الجوانب السياسية للأزمة. وقال غوتيريش إن «روسيا لا يزال لديها موقف مختلف بشأن ما يحدث في أوكرانيا».
وفي كييف، قام غوتيريش بجولة في المدن المدمرة، مبدياً حزنه على ما رآه، والتقى الرئيس الأوكراني. والأمم المتحدة، منظمة فعالة تماماً في تقديم المساعدات الإنسانية والأنشطة ذات الصلة. ولكن، عندما يتعلق الأمر بمسائل مثل منع نشوب الصراعات، فإنها ليست أكثر من منتدى للحوار والنقاش. فالمنظمة وقراراتها رهينة الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو).
على الجبهة الدبلوماسية، تحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهو يحاول أن يكون أكثر من مجرد موفّرٍ لأجواء الحوار، ويحاول تيسير، أو حتى التوسط، لوقف إطلاق النار واتفاق سلام. وإسرائيل دولة أخرى يمكنها التحدث إلى الطرفين، ولكنها حذرة للغاية كي لا تثير غضب موسكو. قد يكون للصين نفوذ على روسيا، لكنها تفضل المراقبة من بعيد.
والآن، بعد انتهاء الانتخابات في فرنسا، من المرجح أن يتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطوة للعودة إلى المسرح في أوكرانيا. وهو يرى فرصة سانحة في حرب أوكرانيا، وحذّر من أنه إذا لم تتحمل أوروبا المسؤولية ولم تتحرك لحل القضية الأوروبية، فقد تلجأ جهات خارجية مثل الصين لاتخاذ مثل هذه الإجراءات.
وبرغم كل ما يجري، فإن المفاوضين الأوكرانيين والروس لم يتوقفوا عن التفاوض. وهناك مسوّدة اتفاق، وربما أكثر من واحدة. وتتهم روسيا أوكرانيا بالمماطلة. ويقول الروس إن أوكرانيا ليست جادة بشأن المفاوضات. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة الوضع بأنه معقد، وأشار إلى تفسيرات مختلفة.
وقد كنت متفائلاً بحذر شديد بعد الاجتماع الذي عُقد في إسطنبول، ولكن تحقيق تقدم في الوقت الحاضر يبدو بعيداً للغاية.

- خاص بـ«الشرق الأوسط»