ممدوح المهيني
إعلامي وكاتب سعودي. مدير قناتي «العربية» و«الحدث» كتب في العديد من الصحف السعودية المحلية منها جريدة الرياض، ومجلة «المجلة» الصادرة في لندن. كما عمل مراسلاً لـ«الشرق الأوسط» في واشنطن. وهو خريج جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة.
TT

معركة ماسك الصعبة داخل «تويتر»

قبل سنوات، كتب إيلون ماسك تغريدة «أحب تويتر». وبما أنه الرجل الأثرى في العالم، فإنه يستطيع شراء الأشياء التي يحبها حتى لو كانت قيمتها تساوي 44 مليار دولار.
وفي تغريدة أخرى، كتب «إنه يعبر عن نفسه من خلال تويتر كما يعبر البعض عن أنفسهم من خلال قصات شعرهم!»، أي أنه وجد فيها الوسيلة المناسبة لتوصيل أفكاره حتى تلك التغريدة الشهيرة عن تحويل «تسلا» إلى شركة خاصة، وبسببها عاقبته هيئة الرقابة الأميركية التي هاجم فيها المسؤولين مراراً ووصفهم بـ«الأوغاد»!
غرام ماسك بـ«تويتر» العلني مفيد له، لأنه يبحث عن منصة إعلامية تمثل له قوة وثقلاً وتأثيراً على مستوى العالم، ولا يوجد أكثر من «تويتر»، موطن الساسة ورجال المال وصناع التغيير. بعد تحقيق المجد والوصول لقمة الثراء، يبحث أشخاص مثل ماسك عن دمى يتسلون بها وتمنحهم مزيداً من البريق، وتضعهم في قلب الأحداث، ولا شيء أفضل من منصات أو وسائل إعلامية كبيرة (يبدو أن ماسك يجد فيها نوعاً من التسلية المثيرة أكثر من غيرها. تغريدة أخيرة ساخرة كتب فيها أنه ينوي شراء كوكاكولا ويعيد إليها الكوكايين)، مثل جيف بيزوس الذي يمتلك «واشنطن بوست» التي تحوّلت إلى وسيلة لحمايته والدفاع عنه والتعبير عن أفكاره.
السؤال الأكثر تداولاً الآن هو: ماذا سيفعل ماسك في «تويتر»؟ من المرجح أن يجري بعض الإصلاحات والتعديلات على آلية تحرير التغريدات ويحذف الحسابات المزيفة، وتطوير آلية اللوغاريثيم، وقد لمّح إلى ذلك في تغريداته الأخيرة. ماسك مغتاظ من مهندسي «تويتر»، ولاحقهم أكثر من مرة بتغريدات تقول إن عملهم انحط لمستوى آخر.
تظل هذه إجراءات مهمة ولكن غير جوهرية، لكن المهم هو إعادة الحياد إلى المنصة الشهيرة التي بدأت داعمة لحرية التعبير ومساحة تتسع للجميع، لكنها تغيرت مع الوقت بسبب الظروف السياسية المشحونة داخل الولايات المتحدة لتصبح طرفاً غير موضوعي ويفتقد الثقة في أوساط واسعة. عمليات الحجب والحظر والمنع تشبه ملاحقة الساحرات، وحتى لو رآها البعض مبررة ومنطقية إلا أن الشكوك طالتها حتى من قِبل شخصيات، مثل المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي شكك في صوابية قرار حظر الرئيس ترمب وشخصيات مناصرة له. حجب قصة صحيفة «نيويورك بوست» عن ابن الرئيس بايدن سدد طعنة أخرى في مصداقية المنصة، خصوصاً بعدما أعلنت مؤخراً صحف مثل «نيويورك تايمز» عن شرعية القصة، وأنها لم تحظَ من قبلهم بالتغطية الكافية.
كان هذا هو الخطأ الذي ارتكبه المسؤولون عن «تويتر» عندما طغت نوازعهم وميولهم الفكرية على حسّ العدالة والحياد المهني. ماسك يدرك كيف تعثرت «تويتر» في خطواتها، وقد كان واضحاً بالقول إنه من المناصرين الصلبين لحرية التعبير، وقال في تغريدة ثانية إنه يتمنى أن يبقى أشد منتقديه في «تويتر»، لأن ذلك هو تعريف حرية التعبير. وقد لمح مؤخراً إلى أن خروج ترمب وتأسيسه لمنصته الجديدة كان بسبب تقييد حريته في «تويتر».
يتعرض ماسك للهجوم غالباً من شخصيات من اليسار لأنهم يخشون أن سيطرته على واحدة من كبرى المنصات في العالم ستمنح مزيداً من المساحة للأصوات المحافظة للتعبير عن نفسها بعد أن تم التضييق عليها في الأعوام الأخيرة. فشركات التقنية العملاقة كانت متحالفة فكرياً وتملك قوة هائلة لحجب أي شخصيات أو أفكار تراها خطيرة أو تحريضية أو غير علمية، مثل تلك المتعلقة بالاحتباس الحراري. ماسك بصفقة الـ44 ملياراً كسر هذا الاحتكار وأخرج «تويتر» من التحالف الحديدي، ومن المتوقع أنه سيمنح مزيداً من الحرية لأصوات جديدة حتى لو كان يختلف معها.
سيواجه حملة شرسة من الاتهامات بدأت مؤخراً من خصمه بيزوس، الذي أشار إلى النفوذ الصيني عليه، ولكن معركته المقبلة أن يحد من نفوذ المؤدلجين العقديين داخل الشركة التي تقول الأنباء إن زوابع وقلاقل حدثت بعد أن أصبح ماسك، الذي وصفه أحد الموظفين بـ«تويتر»، مؤخراً، بالمعتل نفسياً، المالك الوحيد وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المنصة التي تضع أجندات العالم كل يوم.