إميل أمين
كاتب مصري
TT

الشرق أوسطيون لن ينتظروا غودو الأميركي

هل فقدت واشنطن أدوات التأثير على إقليم الشرق الأوسط؟
تبدو أخطاء السياسات الأميركية واضحة للملأ، ولا سيما تلك التي تصر عليها إدارة الرئيس بايدن، الذي وضع في وعوده الانتخابية العودة إلى الاتفاق الذي نسخه سلفه ترمب مع الإيرانيين.
ربما كانت رؤية بايدن في عامه الأول اللعب على المتناقضات السياسية الداخلية، ومحاولة تحقيق نصر انتخابي صغير، وبخاصة عشية انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، غير أنه اليوم وبعد اندلاع الأزمة الروسية – الأوكرانية، يبدو في حاجة للتسريع بعقد الاتفاق، بهدف سريان النفط الإيراني في شرايين الاقتصاد العالمي.
وفيما مأزق بايدن يتعمق، يشعر الإيرانيون بحالة من النشوة، تدفعهم في مسارات التشدد ودروب التمسك بمواقفهم، ولا سيما المطالبة بإزالة «الحرس الثوري» من قائمة المنظمات الإرهابية، بعد أن أدرجته واشنطن عليها منذ 2019.
تبدو أولويات اللحظة الآنية متضاربة بين دول الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن معارك الأخيرة مع الدب الروسي تارة، وجهوزيتها لمقابلة التنين الصيني من ناحية أخرى، يجعلانها جاهزة لتقديم تنازلات جذرية لقوى راديكالية لطالما اعتبرتها واشنطن ظلامية، لكنها البراغماتية الأميركية التقليدية، التي بدأت واشنطن في دفع أكلافها بالفعل.
يبدو حلفاء أميركا في الشرق الأوسط والخليج العربي أمام لحظات تحدٍ حقيقية، خاصة بعد أن بدت إيران تلتف حول دول المنطقة كالأفعى بهدف اختراقها، ومن ثم تحقيق الحلم الخميني برؤية أعلام الثورة الإيرانية ترفرف فوق العواصم العربية.
في هذا التوقيت القيم، يضحى فرض عين أن تسعى دول المنطقة بدورها في طريق الانشغال ببناء هيكل أمني من دون واشنطن، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الانسحاب الأميركي من تلك البقعة الجغرافية آتٍ لا محالة، وعليه لن يبقى اللاعبون الإقليميون عاقدي الأيادي على الصدور في انتظار غودو الأميركي، الذي سيطول انتظاره، وغالباً لن يجيء.
المأزق الأميركي يتسبب في واقع الأمر لإشكاليات شرق أوسطية في كل الأحوال، سواء تم التوقيع على اتفاق مع إيران أو لم يحدث.
في الحالة الأولى إذا وقعت واشنطن، وهي تسعى لذلك بالفعل، قد يكسب بايدن حفنة أصوات في الداخل الأميركي، لكن في المقابل سيخسر حلفاء منذ نحو 8 عقود، وتالياً سيكتشف الأميركيون أن بلادهم قدمت فروض الطاعة والولاء للإيرانيين، الأمر الذي سيختصم حكماً من قوة وسطوة أميركا في عيون مواطنيها قبل حلفائها.
وفي الحالة الثانية إذا فشل الاتفاق وهو أمر وارد حال التعنت الإيراني التقليدي، والمماطلة بهدف كسب الوقت، ستتحرك أيادي الشر ووكلاء الحرب في المنطقة لإصابة المصالح الأميركية والعربية، وربما سيتم اتهام بايدن من قبل دائرة اليسار، المتصاعد نفوذها في الداخل الأميركي عامة، وفي ثنايا الحزب الديمقراطي خاصة، وسيقال إنه رئيس ضعيف خضع لرغبة الحلفاء وتصرف وفقاً لمطالبهم.
يفقد الحلفاء الشرق أوسطيون ثقتهم في واشنطن يوماً تلو آخر، من جراء السياسات الأميركية الفاقدة للذاكرة، ولا سيما تجاه إيران التي تعيث فساداً، وتهدد استقرار المنطقة.
حاجج باراك أوباما بأن اتفاقاً مع إيران سيجعلها في حالة «توافق مع العالم»، غير أنه منذ الأيام الأولى للاتفاق السابق سيئ السمعة، وإيران تتلاعب بمقدرات العم سام وبأصدقائه في أوروبا القارة العجوز، التي لم تعد تملك من زمام أمرها شيئاً.
أخفت إيران معلومات عن المفتشين الدوليين، كما اختبرت صنوفاً وألواناً من الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، ورفضت أن يوضع البرنامج من الأصل ضمن بنود المفاوضات.
أكثر من ذلك تدخلت إيران في سياق الحرب الأهلية السورية، وسلّحت الحوثيين بأسلحة الموت من صواريخ طويلة المدى ومسيرات قاتلة، كما احتجزت سفينتين للبحرية الأميركية وأهانت طاقميهما، عطفاً على تكرار دعواتها للقضاء على إسرائيل، ومواصلة دعم المجموعات الإرهابية.
يبدو طبيعياً أن يفقد اللاعبون الإقليميون في الشرق الأوسط ثقتهم في الحليف الأميركي، الذي يظهر استعداده لتقديم تنازلات غير مسبوقة لإيران، وعليه يضحى التساؤل: «كيف لواشنطن أن تضحى بالموثوق والمؤكد، الذي أثبتته التجربة التاريخية عبر عقود طوال، لصالح استرضاء نظام ثيولوجي عقدي يطالب بالموت لأميركا صباح مساء كل يوم سراً وجهراً؟!».
هنا تبدو قضية رفع «الحرس الثوري» الإيراني من قائمة الإرهاب محل اختبار أخير من الحلفاء الشرق أوسطيين لواشنطن، فلو فعلت فستترسخ صورة أميركا المرائية المتنكرة لقناعاتها ومبادئها من أجل براميل النفط، وإن لم تفعل غالباً لن تمضي الصفقة قدماً، وربما هذا ما جعل روبرت مالي المبعوث الأميركي لإيران يصرح أنه ليس واثقاً من أن الاتفاق بات وشيكاً.
أضاعت أميركا عقداً في حرب وهمية ضد الإرهاب، وعقداً آخر في تدبير انقلابات وإزاحة أنظمة وتحالفات مع الأصوليين، فهل هي في طريقها لعشرية ثالثة، من تحالفات سيئة السمعة تفقد فيها حلفاءها التاريخيين؟
مرة أخرى الشرق أوسطيون لن ينتظروا غودو الأميركي.