زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أسرار تماثيل دادان!

تحدثنا في المقال السابق بشكل عام عن الدراسة المنشورة من خلال الجمعية السعودية للدراسات الأثرية تحت عنوان «كنوز أثرية من دادان: نتائج تنقيبات المواسم السبعة الأولى»، وفي هذا المقال نتعرض لواحد من المقالات العلمية المنشورة في الدراسة المشار إليها. والمقال من تأليف كل من الأستاذ الدكتور سعيد بن فايز السعيد والدكتور حسني عبد الحليم عمار وعنوانه «التماثيل الحجرية». وعلى الرغم من أن المقال قد خصص للنشر العلمي لعشر قطع من التماثيل ورؤوس وقواعد وبعض أجزاء التماثيل التي تم الكشف عنها خلال سبعة مواسم من التنقيبات الأثرية بموقع مملكة دادان، فإن كاتبي المقال جعلا هذا النشر العلمي مدخلاً لإلقاء نظرة مختصرة وافية على تطور فن النحت في الجزيرة العربية، وقد وُفقا في هذا العرض إلى حد بعيد.
تناول الباحثان في مقدمة البحث التعريف بمكان وظروف الكشف عن التماثيل وأماكنها في المجمع الديني بدادان، وكذلك التعريف بأن ما ينشرانه هو جزء من أكثر من ثلاثين تمثالاً عثر عليها بالموقع ولا يزال بعضها مدفوناً في أماكنه بالموقع. وجاء اختيار القطع الفنية موضوع البحث من تماثيل وأجزاء من تماثيل لكي تعطي صورة واضحة عن فن النحت اللحياني بدادان، وكذلك لتعزز النتائج التي توصلا إليها والتي أعدها في غاية الأهمية، وستكون هي موضوع مقالنا التالى بإذن الله لإعطائها حقها من المناقشة.
وأولى الحقائق المهمة عن تماثيل دادان أن أغلبها يمثل رجالاً بالهيئة الواقفة سواء بالحجم الطبيعي للجسم الآدمي أو بحجم أكبر من الطبيعي، حيث يصل ارتفاع بعض التماثيل إلى أكثر من مترين. وتمتاز التماثيل بصلابة الوقفة واعتدالها وسلامة النسب التشريحية لأجزائها من الرأس والجذع والأطراف، وقد خلت من عنصر التفريغ، بمعنى أن كلاً من الذراعين والساقين ملتصق بكتلة التمثال الذي يمتاز كذلك بالبناء العضلي المثالي، كما لو كان التمثال لرياضي شاب في عنفوان قوته. هذه الهيئة الجادة والملامح الحازمة وعظم حجم التماثيل كلها دلائل لا تقبل الشك بأنها صنعت لرجال من ذوي الرفعة والمكانة السامية، وأنهم - أصحاب هذه التماثيل - ربما كانوا بعضاً من ملوك لحيان، خصوصاً بعد العثور على نقش كتابي من سطر واحد على أحد هذه التماثيل يقرأ «ملك لحيان».
نحتت التماثيل من الحجر الرملي الأحمر المجلوب من جبل دادان المطل على موقع الحفائر، الأمر الذي يؤكد أن هذه التماثيل محلية الصنع وليست مجلوبة من مكان آخر. وقد ناقش الباحثان دلالات اللون وسبب اختيار الحجر الرملي كمادة لصنع التماثيل، وأشارا إلى أن اللون الأحمر ربما يكون هو الأقرب للون الجسد الآدمي، وأن كثيراً من التماثيل المصرية القديمة نحتت من الحجر الرملي خصوصاً خلال عصر أخناتون المعروف بعصر العمارنة؛ وارتباط اللون الأحمر بديانة الشمس عند المصريين القدماء.
ونظراً لأن الثابت من خلال التماثيل المكتشفة أنها كانت ملونة باستخدام الجص الأبيض الذي خصص لتلوين النقبة القصيرة التي تغطي من أسفل السرة إلى ما فوق الركبة، وكذلك عمامة الرأس، وكذلك استخدام الزفت أو القطران لتلوين الجسد كما ظهر في بعض التماثيل وبعض أجزائها المكتشفة، فربما يكون اختيار الحجر نتيجة توفره في البيئة المحلية وكذلك طواعيته وسهولة نحته وتشكيله.