يتماسك الرأي العام الروسي، باستثناء أقلية صغيرة، دعماً لتحركات القيادة الروسية والجيش الروسي، الذي ينفّذ مهامه في إطار العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس. هناك أيضاً الكثير من الأصوات التي تطالب موسكو باتخاذ إجراءات وعقوبات مضادة رداً على ضغوط العقوبات غير المسبوقة على روسيا وشعبها.
بصراحة، لا أفهم، كما كنت قد كتبت في المقالات السابقة، بماذا يسترشد السياسيون الغربيون عندما يتخذون إجراءات تقييدية ضد جميع الروس من دون استثناء، وبالنتيجة ضد مصالح مواطنيهم أيضاً؟ فإذا كانوا يعوّلون على إثارة احتجاج مدني واسع النطاق في روسيا، فإن هذه الإجراءات تؤدي إلى نتائج عكس ذلك تماماً.
لم ألتقِ حتى الآن مواطناً روسياً يرى معنى لحظر موسيقى الملحنين الروس، الذي تمليه حملة الروسوفوبيا الشعواء، بما في ذلك حظر ألحان الموسيقار العبقري العالمي تشايكوفسكي، أو منع الفنانين الموسيقيين الروس المشهورين عالمياً من تقديم حفلاتهم عبر مطالبتهم بالتخلي عن آرائهم وإدانة وطنهم الأم. يأتي هذا تماماً كما كان في أيام محاكم التفتيش الكاثوليكية في العصور الوسطى، والتي طالبت الزنادقة المفترضين بالتخلي عن فكرة أن الأرض تدور حول الشمس. ناهيك بالإقصاء المخزي وغير الإنساني للرياضيين الروس من منافسات الألعاب البارالمبية. هل يعتقد أحد حقاً أنه بعد ذلك سينزل المواطنون إلى شوارع المدن الروسية مطالبين بتغيير السلطة؟ اقترح أحد زملائي الروس ساخراً أن الشيء الوحيد المتبقي أمام الغربيين، من حاملي فكر الروسوفوبيا، هو حظر جدول مندلييف للعناصر الكيميائية، لأنه كان لسوء الحظ عالماً روسياً.
من الملاحَظ أنه بالنسبة لغالبية الروس تسود الكرامة على المصالح التجارية البحتة، كما كان الحال دائماً عندهم في الأوقات الصعبة. والأوقات الآن صعبة حقاً، لكن الناس ينظرون بتفهم إلى ما تقوم به الحكومة. اليوم، تعمل السلطات الروسية على جميع المستويات لحل المشكلات ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية في ظروف العقوبات، وتتخذ التدابير المناسبة لحماية المواطنين العاديين من عواقبها وكذلك لتطوير بدائل الواردات.
لقد كنت دائماً مؤيداً مخلصاً للحل السلمي للنزاعات، وفضلت الحوار السلمي على أساليب استخدام القوة. لكني أرى أن القوميين الأوكرانيين ورعاتهم الغربيين لم يتركوا أمام روسيا أي خيار، وأجبروها على إجراء عملية عسكرية خاصة لحماية دونباس. موسكو ببساطة استبقت العدو، الذي كان يستعد لضربة عسكرية ضدها.
اليوم، أفكر بحزن في الأوقات التي ناقشنا فيها، أنا وزملائي الأميركيين، أخطر القضايا المتعلقة بتعاوننا في ضمان السلام والأمن العالميين في جو من الثقة المتبادلة على منصة «حوار دارتموث» وهي قناة مهمة وبناءة للتفاعل بين جماهير البلدين. لقد ساعد حوار دارتموث في التقريب بين مواطنينا وحكوماتهم على مدى ستة عقود. بدا لي في مرحلة معينة، أن بلدينا سيحافظان على علاقات ودّية في المستقبل. فكما كتب لي أحد زملائي الأميركيين القدامى في دارتموث مؤخراً في رسالة، لقد نجحنا في التغلب على أزمة الكاريبي عام 1962 عندما كان بلدانا على شفا حرب نووية، وسنتغلب بالتأكيد على الأزمة الحالية التي يمكن مقارنتها بأزمة الكاريبي. ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، لأن روسيا والولايات المتحدة تتحملان مسؤولية خاصة عن مصير البشرية.
وفيما يتعلق بالعقوبات المضادة، تمتلك روسيا إمكانات لم تستغلها بعد، على الرغم من أن قيادتها أظهرت حتى الآن ضبطاً للنفس وهدوءاً أولمبياً، معولةً على تعقل رعاة القوميين الأوكرانيين المتطرفين. ولم تردّ على الدعوات الانفعالية لبعض المواطنين الروس لإغلاق خط أنابيب الغاز «السيل الشمالي 1» أو حظر ترانزيت الغاز عبر أوكرانيا. موسكو تريد تجنب إلحاق الضرر بسكانها وسكان أوكرانيا إلى أقصى حد ممكن، حيث تقدم وزارة الطوارئ اليوم، على الرغم من إجراء العملية الخاصة، المساعدة الإنسانية، وتتوخى أقصى درجات الحذر خلال الأعمال القتالية. نتيجة لذلك، تزوّد شركة «غازبروم» اليوم بشكل منتظم الغاز المخصص للترانزيت عبر أوكرانيا بالطريقة المعتادة وفقاً لطلبات المستهلكين الأوروبيين. كما هو معلوم، تبلغ الالتزامات التعاقدية لشركة «غازبروم» للترانزيت عبر أوكرانيا لعام 2022، 40 مليار متر مكعب، أي بمتوسط 109.6 مليون متر مكعب في اليوم. دول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من هستيريا العقوبات التي وصلت إلى حد الجنون، ليست مستعدة للتخلي عن إمدادات الطاقة الروسية. هذا يعني أن روسيا تأخذ في الاعتبار مصالح المستهلكين الأوروبيين العاديين.
مع ذلك، قد تضطر السلطات الروسية، بهدف مواجهة التضخم الهائل للعقوبات والمطالب المتزايدة من السكان للرد عليها، إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. فكما ذكر نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي ريابكوف، يوم السبت 12 مارس (آذار)، ستنشر الحكومة الروسية في المستقبل القريب قوائم بالعقوبات الشخصية الجوابية ضد الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. «القوائم جاهزة ونحن نعمل على ذلك. هذا جزء كبير من العمل اليومي. وسيتم الإعلان عنها قريباً». يعتقد ريابكوف أن الغرب شن حرباً اقتصادية واسعة النطاق ضد روسيا باستخدام الفرص المتاحة للنظام المالي والمصرفي الأميركي. إن روسيا مستعدة لمواجهة التحدي من خلال تعبئة مواردها. لا يجوز اختصار كل إمكانياتها بالنفط والغاز، فهي تنتج في مجال الأسمدة وحدها، على سبيل المثال، ثلثي حجم الاستهلاك الإجمالي في العالم، وهي وأوكرانيا معاً تعدّان المورد لحصة الأسد من القمح للسوق العالمية. من الممكن أن فرصها أقل في حرب المعلومات التي اندلعت ضدها، حيث يحاول الغرب عبر العقوبات ضد وكالات وقنوات الأخبار، وكذلك الصحافيين، منع وصول الحقيقة بشأن أفعالها وهواجسها وسياساتها إلى الجمهور في الخارج. بيد أنه يوجد أيضاً الكثير من الدول الكبرى في العالم التي ترفض المشاركة في حملة العقوبات المفروضة في المجال الاقتصادي والسياسي والمعلوماتي.
مع ذلك، لم يَضِعْ كل شيء، ولا يزال استمرار عملية التفاوض بين الوفدين الروسي والأوكراني يبعث بعض الأمل.
أمَّا فيما يتعلق بالعدوان الجاري التحضير له على روسيا، فقد تكشفت الآن حقائق جديدة، مرتبطة أولاً وقبل كل شيء بتطوير أسلحة بيولوجية في مختبرات يتم التحكم فيها عبر المحيط وموجودة في الكثير من دول العالم، بما في ذلك أوكرانيا. روسيا تستعد الآن لتقديم مجموعة كاملة من الوثائق للأمم المتحدة التي تثبت هذه الحقائق. لقد اعترفت فيكتوريا نولاند بشكل غير متوقع بوجود هذه المختبرات.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»
8:37 دقيقه
TT
«روسوفوبيا» غربية... و«هدوء أولمبي» روسي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة