روجر كوهين
كاتب, نيويورك تايمز
TT

غرابة الانتخابات البريطانية

هذه انتخابات مثيرة للفضول لكل المهتمين بالشأن البريطاني. إذا عاد ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء المحافظ، إلى منصبه سيتم إجراء استفتاء عام 2017 قد يؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودخولها في حالة من الانعزال الاستراتيجي. وسيكون بذلك قد تم إهدار عامين بسبب جدل معرقل سيتيح لأسوأ خطاب متعصب بريطاني مناهض لأوروبا، الهيمنة. وإذا أصبح إيد ميليباند، زعيم حزب العمال، رئيسا للوزراء، سيكون عليه بشكل ما أن يعتمد على دعم من الحزب القومي الأسكوتلندي، الذي يريد الانفصال عن المملكة المتحدة. ويتعهد ميليباند أنه لن يخضع لرغبات نيكولا ستورجيون، زعيمة الحزب القومي الاسكوتلندي، لكنه رجل دفعه عزمه وإصراره على الوصول إلى مقر الحكم، إلى ما يكاد يمثل جريمة سياسية تعادل جريمة قتل الشقيق. وينبغي أن يتم النظر إلى وعوده في هذا الضوء من البرود.
ادفع المال واختر بين بريطانيا خارج أوروبا وبريطانيا مجتزئة. بطبيعة الحال، ليس الأمر بهذه البساطة، حيث يمكن لكاميرون أن ينجح في محاولته الغامضة للإبقاء على المملكة المتحدة في أوروبا، في الوقت الذي «يستعيد» فيه قوى أكبر، وإن كانت غير محددة، من بروكسل. وقد يسيطر على جني إنجلترا الصغيرة الخبيث، الذي حرره من القمقم لإرضاء حزب المحافظين. وقد يستطيع ميليباند استغلال الحزب القومي الاسكوتلندي دون أن يصبح رهينته، فالأسوأ ليس أمرا حتميا.
مع ذلك تشير هذه الاختيارات البائسة إلى انقسام بريطانيا وتوتر الأوضاع فيها. وأشرف كاميرون على عملية تعافٍ اقتصادي يعد موضع حسد أوروبا، ووصلت البطالة إلى أدنى معدلاتها منذ عدة سنوات، ويتدفق الشباب الفرنسي والإسباني العاطل عن العمل إلى بريطانيا بحثا عن فرص عمل. لقد نجح رئيس الوزراء في إنقاذ السفينة.
مع ذلك لا يحتفل الكثيرون ممن على متن السفينة بهذا، حيث لم يتم ترجمة التعافي إلى رخاء أو ثقة، ولا تزال الفجوة بين الدخول تزداد اتساعا. وأدى الانتعاش الاقتصادي، الهامس في لندن بمناطقها المركزية المتألقة التي تعج بالمليارديرات، الذين يحفرون أقبية أكثر عمقا لتخبئة ممتلكاتهم، إلى تراجع الأقسام الأخرى من البلاد، وأصبح رمزًا للانقسام يثير للازدراء. لقد أبلى الحزب القومي الاسكوتلندي حسنا بفضل تصويره لإنجلترا المناهضة لأوروبا، التي يدعمها حزب المحافظين، والتي يتم تسليمها إلى عالم التجارة الحرة القاسي وإلى الأثرياء، حتى وإن كان ذلك التصوير غير دقيق. بحلول يوم غد سيكون موعد الانتخابات قد حان. ومن المرجح تعليق البرلمان، كما حدث في عام 2010، ولن يتمكن حزب واحد من قيادة الأغلبية في مجلس العموم، الذي يبلغ عدد مقاعده 650 مقعدا.
وتوضح أكثر استطلاعات الرأي تقدم المحافظين بفارق ضئيل، حيث حصلوا على 35 في المائة من الأصوات و275 مقعدا، في حين حصل حزب العمال على 34 في المائة ونحو 267 مقعدا. وتبدو ظاهرة الانتخابات هي قفزة الحزب القومي الاسكوتلندي من ستة مقاعد إلى 50 مقعدا، وكأن رفض استقلال اسكوتلندا في الاستفتاء، الذي تم إجراؤه العام الماضي، قد منح الاسكوتلنديين حرية التعبير عن رأيهم دون تحمل العواقب.
ولأن تعاون الحزب القومي الاسكوتلندي مع حزب العمال، لا المحافظين، أمر محتمل، قد يكون ميليباند في وضع أقوى من كاميرون من حيث القدرة على تشكيل حكومة. ويبدو أن حزب الاستقلال البريطاني، الذين ينتمي إلى أقصى اليمين، والذي كان تأثيره على سياسات كاميرون واضحا، لن يحصل على أكثر من أربعة أو خمسة مقاعد. وسوف يحصل الليبراليون الديمقراطيون، الذين شاركوا المحافظين في الحكم دون أن يكون التحالف معهم دائما، إلى القسم الأكبر من المقاعد المتبقية، لكنها تظل أقل كثيرًا من المقاعد التي حصلوا عليها عام 2010.
وقاد كاميرون حملة غريبة، حيث كان أداؤه باهتا وشارد الذهن أحيانا، حتى أنه لم يستطع تذكر اسم فريق كرة القدم الذي يشجعه. ولم يتحسن أداؤه إلا عند الحديث عن حرية التجارة، وعندما أخبر مجموعة من المحاسبين أن حزبه هو حزب الفنيين، وعاملي بناء أسطح المنازل، وتجار التجزئة، والسباكين، والبناءين. وأكد أن ما حمّسه كان «المخاطرة والرهان».
مع ذلك ليس من الصعب على أي شخص التكهن بما يؤمن كاميرون به حقا. وكانت مراهنته بعضوية الاتحاد الأوروبي أمرا متهورا ولا يغتفر. وحتى الآن لم يقدم أي رواية مقبولة ومعقولة لما يريده من أوروبا ولسبب وعده بإجراء استفتاء على ذلك. وهو بذلك وضع مستقبل بريطانيا في خطر.
أما ميليباند فهو مشروع لم يكتمل، لكنه يتمتع بحدس سليم. ولن يجري استفتاء على أوروبا. وأوضح ميليباند من خلال البدء بإصراره على إلغاء قانون المقيمين في الخارج، الذي يسمح لعدد كبير من أكثر البريطانيين ثراء ممن يحملون الإقامة الدائمة بتجنب دفع ضرائب للدولة البريطانية على دخلهم الذين يجنونه في مختلف أنحاء العالم مقابل دفع رسوم سنوية، إنه يفهم جيدا ضرورة تغيير شيء ما، من أجل إعادة التوازن إلى المجتمع البريطاني.
لقد انتقد بشدة «الفكرة التي تقول إن كل شيء يخدم من هم على القمة، وإن ما يصب في صالح فاحشي الثراء، هو دائما في صالح بريطانيا». ويشاركه هذا القلق بشأن ثقافة يتحكم فيها المال، أغلبية من الشعب البريطاني الذي لا يزال متحدًا. قد يثبت ميليباند أنه الزعيم غير المحتمل لهذا التوجه والمزاج في الطريق إلى مقرّ الحكم البريطاني.
* خدمة «نيويورك تايمز»