وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الشركة التي لا يريد أحد العمل بها

هناك عديد من الشركات التي تدفع مرتبات عالية؛ بل إن بعضها يوفر كل شيء مادي للموظف لإبقائه على رأس العمل. ولكن هذا لا يكفي. وفيما يلي بعض المشكلات التي تجعل أي شركة مكاناً لا يريد أحد العمل به.
أولاً، غياب الرؤية على مستوى القيادة. فإن قائد الشركة أو رئيسها التنفيذي أو مجلس إدارتها هم مصدر رؤية الشركة واتجاهها العام الاستراتيجي. وللأسف هناك كثير من الشركات التي لا توجد أي رؤية لدى قياداتها سوى تحقيق الربح، وهذه ليست رؤية. الرؤية هي نظرة بعيدة المدى لما تكون عليه الشركة، واتجاه أساسه التغيير. ولأن التغيير من الأمور التي نرفضها نحن البشر، فإن الرؤية والقائد الذي يفرضها أمر مهم لإبقائنا كلنا على قلب واحد.
ولو نظرنا إلى الدول كمؤسسات، فلقد كانت هناك رؤية دينية لمؤسسة الحكم في المدينة على عهد الرسول الكريم. وفي الأزمنة المعاصرة، رأينا كيف أن الملك عبد العزيز كانت لديه رؤية لبناء وطن واحد، ثم جاءت «رؤية 2030» وأعادت نظرتنا للوطن بشكل أكبر وأوسع. وحتى تنجح أي مؤسسة فإن رؤيتها يجب أن يفهمها ويتبناها كل من ينتمي لها، صغيراً كان أو كبيراً.
ثانياً، غياب تحديد الأدوار وعدم وجود تفويض للصلاحيات. فأغلب ما يعانيه عديد من الشركات هو عدم وجود أدوار واضحة لكل شخص فيها، وفي أحيان كثيرة حتى إن وُجد هذا فلا قيمة له من دون تفويض للصلاحية. إن الإنسان لا يستطيع أن يكون مسؤولاً من دون تفويض للصلاحية له، للعمل ضمن إطار محدد. ولا يوجد شعور أسوأ من أن الإنسان يذهب إلى مكان عمله اليوم، ولا يدري ماذا ينتظره من مفاجأة.
هناك شركات ووزارات ومؤسسات عديدة لا يوجد حدود للعمل فيها. وهذه في الغالب الحال في الشركات العائلية، إذ إن صاحب الشركة أو أبناءه المرفهين الذين اعتادوا على وجود الخدم حولهم منذ الطفولة، لديهم انطباع بأن الناس ضمن ممتلكاتهم العائلية. وعليه، يقوم صاحب الشركة أو أبناؤه بإعطاء أوامر لا حصر لها للشخص الذي يعمل معهم. وقد ينتهي الأمر بطلب لمدير الشؤون المالية بحجز تذاكر إجازة العائلة.
وإذا انتهينا من تحديد الدور، فهناك تفويض الصلاحية، وهذا هو أكثر الأمور ندرة بين البشر؛ لأن غالبية الناس لا ثقة لديهم في غيرهم، ولهذا لا يستطيعون تقبل ترك الأمور لغيرهم، وهذا ما يميز الشخص الناضج من غير الناضج.
ولنأخذ مثالاً بسيطاً: هل يمكن لزواج أن يستمر، والزوج لا يترك للزوجة المجال في اختيار أي شيء أو حتى التصرف في أمور البيت؟ ما ينطبق على مؤسسة الزواج ينطبق على مؤسسة العمل، ولهذا يجب أن يتحلى المديرون والقيادات بضبط النفس، والسماح للجميع للعمل بحرية، شريطة أن يتم تحديد الأهداف المطلوبة منهم والأدوار، ومن ثم يقتصر دور الجميع على المتابعة المستمرة.
ولكن هذا الأمر يصاحب الشخصيات القيادية، فإن القادة أصحاب الرؤية لا يحبون لغيرهم التفكير، ولهذا لا يتفقون مع أصحاب رؤية مثلهم. والذكاء الحقيقي هو كيف يمكن لصاحب رؤية أن يتحكم في صاحب رؤية آخر، ويجعله يعمل معه من دون صدامات.
ثالثاً، التعامل مع الجميع على أنهم شخص واحد من دون تقبل للاختلافات. فإن الاختلاف سُنة، وكل مكان عمل يجب ألا يعامل الناس على أنهم آلات أو تروس في آلة؛ بل على أن كل إنسان كيان منفصل، يمتلك مواهب معينة تنتظر الرعاية والاحتضان حتى تظهر. وأسوأ البيئات هي تلك التي يتم تقييم الجميع فيها على أساس واحد. وكما هو معروف لا يمكن قياس قرد وسمكة على قدرتهم في الصعود على شجرة؛ بل يجب قياس قدرة كل منهما في طبيعة الدور الذي يناسب طبيعته.
إن المواهب نادرة، وتحتاج إلى احتضان، ويجب أن ننظر للأشخاص على أنهم مواهب وليسوا موظفين مهمتهم القيام بأدوار محددة. ولهذا فإن أفضل البيئات هي تلك التي تهدف لاكتشاف قدرات الإنسان.
هذه مجموعة من أبرز المشكلات، وهناك غيرها الكثير، ولكن لو تم حل هذه النقاط الثلاث فإن هذا كفيل بجعل بيئة أي مؤسسة تجارية صحية، لنمو وتطور وبقاء أي فرد فيها.