جيفري شامان
TT

«أوميكرون»... الوصول إلى الذروة

ينتشر متغير «أوميكرون» على نطاق واسع، ويصيب أعداداً كبيرة من الناس، بما في ذلك الأشخاص الملقحون والمصابون بالفيروس سابقاً. وفي حين كان ارتفاع حالات الإصابة هو القاعدة خلال العامين الماضيين، هناك مؤشرات واضحة على أن هذه الموجة ستختلف إلى حد كبير عن الموجة السابقة.
يرجع العدد القياسي للحالات في الولايات المتحدة، وعلى الصعيد العالمي إلى حد كبير؛ إلى أن «أوميكرون» أكثر عدوى من غيره من المتغيرات، ولديه قدرة أكبر على تجنب المناعة ضد العدوى. وفي الوقت نفسه، تشير الأدلة الأولية إلى أنه من غير الشائع بالنسبة للأشخاص المصابين بـ«أوميكرون» أن يصابوا بأمراض حادة، وينتهي بهم الأمر في المستشفى. وهذا له انعكاسات مهمة عند تقدير مدى اضطراب «أوميكرون» من حيث الوفيات، والإقامة في المستشفيات، وانقطاعات العمل والدراسة.
لتقييم العبء المستقبلي لمتغير مثل «أوميكرون»، غالباً ما يتحول علماء الأوبئة مثلي إلى النمذجة والإسقاط الحسابي. وتتلخص الفكرة في استخدام التمثيل الحاسوبي لتحديد كيفية انتشار الفيروس، لمحاكاة النتائج المحتملة في المستقبل.
من المهم لواضعي النماذج استكشاف المعلومات غير المعروفة حول «كورونا». على سبيل المثال، تشير الأدلة إلى أن «أوميكرون» أكثر قابلية للانتقال من متغير «دلتا»، ولكن بأي مقدار؟ من خلال دمج الشكوك في نماذجنا، فإننا لا نقوم بعرض نتيجة واحدة فقط. بدلاً من ذلك، نحن نخلق توزيعاً للنتائج، يشبه كثيراً مخروط عدم اليقين المستخدم للتنبؤ بهبوط الإعصار.
كما أن استعراض أعباء «كورونا» أكثر صعوبة الآن، بسبب عطلات ديسمبر (كانون الأول). وغالباً ما يتأخر الإبلاغ عن الحالات خلال الأسبوعين اللذين يبدآن قبل عيد الميلاد بفترة قصيرة، حتى بعد عيد رأس السنة. ونتيجة لهذا فإن أرقام الحالات المبلغ عنها من الممكن أن تعطي مظهراً مضللاً في الأمد القريب بزيادات حادة، أو حتى انخفاضات في الحالات.
كل هذه المسائل تخلق حالة من عدم اليقين، وتحد من مدى القدرة على إبراز أعباء «أوميكرون» على نحو جدير بالثقة. وأميل إلى أن من 4 إلى 6 أسابيع هي بقدر ما، ما ينبغي على مصممي النماذج أن يظهروا بشكل روتيني.
إذن ماذا يرى فريقي في يناير (كانون الثاني) 2022؟
تخطط نماذجنا إلى أنه من المرجح أن توثق الولايات المتحدة مزيداً من حالات «كورونا» في هذا الشهر، أكثر مما كانت عليه في أي شهر سابق من الجائحة؛ لكن جزءاً أصغر من تلك الحالات سوف يتطلب العلاج في المستشفيات. أما ما إذا كانت المستشفيات تعاني من إجهاد أكبر أو أقل مما تعرضت له في يناير 2021، فسوف يتوقف على أرقام الحالات ومدى شدتها. على سبيل المثال، إذا أصيب ضعف عدد الأشخاص، ولكن احتمال نقل هؤلاء الأشخاص إلى المستشفى نصف احتمال الإصابة، فإن الطلب على أسِرَّة المستشفى سيكون مماثلاً. وتنطبق هذه الحسابات أيضاً على تقديرات الوفيات الناجمة عن الفيروس، فضلاً عن التعطيل المتوقع لقوة العمل.
تصور توقعاتنا ارتفاعاً سريعاً في الحالات، تصل إلى مستويات قياسية خلال الأسبوع الأول أو الثالث من يناير. كم يبلغ عددهم؟ نتج عن تقديراتنا في منتصف المخروط 5 ملايين حالة بالنسبة لأميركا، خلال أسوأ أسبوع، ولكنها تتراوح بين 3 ملايين وأكثر من 8 ملايين حالة. وتختلف التقديرات حسب الموقع. ومن المتوقع أن تصل مدينة نيويورك إلى ذروتها خلال الأسبوع الأول من يناير، ومواقع الذروة الأخرى في وقت لاحق.
وبينما نتعمق أكثر خلال شهر يناير، سيكون من المهم رصد ما إذا كان الارتفاع الحاد في حالات «أوميكرون» يعقبه هبوط سريع، كما لوحظ في جنوب أفريقيا. وهذا ما يجعل موجة «أوميكرون» شديدة ولكنها قصيرة الأمد. غير أن الانخفاض السريع ليس مضموناً. جنوب أفريقيا تضم عدداً أقل من السكان مقارنة بالولايات المتحدة، ومن المرجح أن تكون الإصابات بين الشباب خفيفة وغير مكتشفة. كما أن جنوب أفريقيا في الصيف أيضاً، وهو أقل ملاءمة لانتقال الفيروس.
ومن الأهمية بمكان مشاهدة دول أخرى مثل بريطانيا التي تتمتع بعوامل ديموغرافية أقرب إلى الولايات المتحدة، والتي تمر أيضاً بشتاء. وإذا شهدت بريطانيا أيضاً انحداراً سريعاً في الحالات، فقد يبشر هذا بالخير بالنسبة للولايات المتحدة.
أما الآثار المترتبة على دخول المستشفيات والوفيات هنا من موجة «أوميكرون»، فهي أقل يقيناً. وفي حين أن «أوميكرون» يتسبب في أعداد قياسية من الإصابات، فإن الأمل يكمن في أن اللقاحات، والجرعات المعززة، والإصابات السابقة بأشكال أخرى، سوف تظل تحمي معظم الناس من أسوأ آثار الفيروس. وتؤيد الأدلة المبكرة هذا الاستنتاج. ولكن يمكن أن تؤثر «أوميكرون» كثيراً في حياتنا اليومية بطرائق أخرى: إذا كانت نتيجة اختبار المدرسين إيجابية وانتقلت المدارس إلى التعليم عن بُعد؛ وإذا تعطلت رحلات الطيران وقطارات الأنفاق والحافلات بسبب قلة العاملين، أو بسبب تأجيل الجراحات الاختيارية بسبب نقص العاملين.
ماذا سيحدث بعد يناير؟ نحن لا نعرف بعد المصير النهائي لفيروس «سارس كوف-2» وجميع المتغيرات. يعتمد العبء المستقبلي لفيروس «كورونا» إلى حد كبير على ما إذا كانت المتغيرات قادرة بصورة كبيرة على التهرب من المناعة الموجودة مسبقاً، مثل «أوميكرون»، لا تزال مستمرة في الظهور.
فإذا نشأت متغيرات جديدة مرتين تقريباً في السنة، على سبيل المثال، فيتعين علينا أن نتوقع تفشيات متعددة كل عام، حتى في الصيف. وإذا ظهرت هذه المتغيرات المختلفة بشكل أقل تواتراً، فقد تحدث التفشيات سنوياً أو حتى بشكل أقل تواتراً. وسوف تعتمد شدة هذه التفشيات على خصائص المتغيرات الجديدة، وما إذا كانت الإصابات السابقة والتطعيم والعقاقير الجديدة يمكن أن تبقي الناس في خطر أقل للإصابة بأمراض خطيرة.
إنَّ الآثار البعيدة الأمد المترتبة على «أوميكرون» تظل غير معروفة، ولكن في الأمد القريب، يتعيَّن على الجميع أن يتوقعوا شهراً كاملاً من التعطيل. ومع ذلك، تبقى النصيحة المألوفة الأفضل: احصل على التطعيم، واحصل على الجرعات المعززة، واستعد.
* مصمم نماذج الأمراض المعدية وعالم الأوبئة في جامعة كولومبيا الأميركية قام فريقه ببناء أحد نماذج «كوفيد 19»
* خدمة «نيويورك تايمز»