وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الثروة التي لم نكن نعلم عنها

أمس، انطلقت أعمال مؤتمر التعدين الدولي في العاصمة الرياض بحضور كبير من شركات عديدة محلية ودولية. ورغم غياب بعض الأسماء العالمية، فإن غياب بعض اللاعبين لم يقلل كثيراً من وهج المؤتمر، إذ كان عدد العارضين والحضور عالياً بدرجة لم أتخيلها خاصة وأن المؤتمر متخصص بالتعدين، وكان هناك حضور لشركات مميزة كلها تعمل في أكثر من قارة.
وأثناء المناقشات والجلسات والحوارات اكتشفت أن السعودية لديها العديد من المعادن التي يحتاج إليها عالم اليوم مثل النحاس والكوبالت والزنك والليثيوم واليورانيوم، وقيمة هذه المعادن تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، وهذه مجرد تقديرات سابقة قابلة للزيادة مع ارتفاع أسعار المعادن خلال الفترة الحالية، حسب ما أوضح الرئيس التنفيذي لهيئة المساحة الجيولوجية عبد الله الشمراني مؤخراً.
هل هذه المعادن جديدة وظهرت فجأة؟ لا بالطبع، كل هذه الثروات قديمة قدم الأرض وقبل ظهور الإنسان في أرض العرب، ولكن نحن الجدد على هذه الثروة التي لم نكن نعلم عنها سابقا واحتجنا لظهور العديد من الجيولوجيين الغربيين الذين جاؤوا هنا لاكتشاف كنوز أرض العرب.
وحتى اليوم كل هذه الثروات لا قيمة لها دون وجود صناعة تحويلية تحولها لمنتج نهائي. فعلى سبيل المثال ماذا كنا سنفعل بالليثيوم الموجود بين طبقات الأرض هنا؟ هل كنا سنستفيد منه لولا ظهور السيارات الكهربائية والحاجة الماسة للبطاريات المصنوعة من الليثيوم؟
إن الليثيوم هو كنز للمستقبل والمسؤولين عن التخطيط في المملكة يعلمون هذا جيداً ويدركون أن الطلب على السيارات الكهربائية معناه الطلب على الليثيوم السعودي رغم أن المملكة ليست أكبر الدول المنتجة له إذا ما قارناها بأفغانستان. وفي حديث له أوضح الرئيس التنفيذي لبرنامج الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب) سليمان المزروع أن المملكة تريد استثمارات تحويلية لليثيوم الذي سيزيد الطلب عليه مع نمو معروض السيارات الكهربائية من 3 ملايين سيارة سنوياً الآن إلى أكثر من 70 مليون سيارة خلال أعوام قليلة قادمة.
ما كنت أفكر فيه خلال كل هذا اليوم المليء بالحديث عن المعادن، وهو حوار جاف في طبيعته وفي صناعة قاسية بطبيعتها، أنه كم من الثروات الموجودة لدينا التي لا نعلم عنها شيئاً أو إذا علمنا الآن فعلمنا لن يساعدنا على استغلالها دون الحاجة إلى شركات وصناعات أخرى ناشئة في دول أخرى؟!
إن الذي اكتشفته اليوم هو أن العالم مليء بالثروات والأرض معطاءة والسماء لا تبخل على أحد، والغنى والفقر سببهما الإنسان ونقص المعرفة ومحدودية العلم وليس قلة الثروة فالثروة موجودة لكن الإنسان قد لا يعلم أهميتها مثلما لا أحد يقدر قيمة الوقت الذي يعتبر هو الثروة الأكبر في حياة أي شخص.
الأمر الآخر والأهم: ما فائدة كل هذه الثروة دون وجود نظام سياسي واجتماعي مستقر يساعد المستثمرين على استغلالها؟ وما الفائدة من استغلالها إذا كانت تستغل في صورة مواد خام وليس منتجات نهائية؟
إن ما شجع كل هؤلاء المستثمرين في التعدين الذين جاؤوا للرياض أمس أمر واحد وهو وجود رؤية واضحة للدولة ونظام عادل واستقرار سياسي. إذ إن غالبية الدول النامية تزخر بالثروات ولكنها تزخر باللصوص والسياسيين المرتزقة. غياب هذا الأمر في السعودية مع حملة مكافحة الفساد الحكومي الذي كان يمنع في السابق أي مستثمر من الوصول إلى الثروات بشكل صحي، جعل المملكة الآن في وضع قوي جداً لأن تكون مركزاً جديداً للصناعة التعدينية.
وسيبقى السؤال الأهم قائمأً، كم من الثروات الأخرى لا نعلم عنها حتى اليوم؟