سعد عبد الله الحامد
TT

مجلس التعاون الخليجي التحالف الإقليمي القادم

لقد أصبحت وتيرة الأحداث الدولية المتسارعة ذات صدى يمسّ كل دول العالم، بسبب التطور التقني والتكنولوجي المعاصر، فالمنظومة الدولية تتشكل وتتشابك في علاقاتها ومصالحها التي تتغير من وقت إلى آخر، ولعل النظرة الشمولية للأحداث تتطلب مواجهة التحديات على المستوى الأمني والدفاعي والاستراتيجي وكذلك السياسي والجيواقتصادي بوتيرة مختلفة، حيث إن التكتلات أصبحت سمة أكثر أهمية في المنظومة الإقليمية أو الدولية، فالحروب الاقتصادية يرى محللون أنها الأكثر تأثيراً مقارنة بالحروب العسكرية في سياسات واستراتيجيات الدول، لتحدد مسارات مختلفة للاقتصاد العالمي، إضافة إلى الثورة الرقمية والتكنولوجية وندرة الموارد البشرية وارتفاع استهلاك الطاقة وتحول نمط الإنتاج، ما أدى إلى صعود القوى غير التقليدية من القارة الآسيوية والأفريقية وأميركا اللاتينية، وبالتالي التحول من الغرب إلى الشرق اقتصادياً، وفق آراء العديد من المراقبين، ما يثير مخاوف العديد من الدول الأوروبية.
ولعل تصدر رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) للمرتبة الأولى كأكبر تكتل تجاري عالمي بناتج محلي إجمالي يفوق 41 تريليون دولار ليأتي بعدها الاتحاد الأوروبي ليحتل المرتبة الثانية بناتج محلي إجمالي لا يزيد على 38 تريليون دولار، ثم دول شمال أميركا لتحتل المرتبة الثالثة بناتج محلي إجمالي يفوق 36 تريليون دولار، ودول «بريكس» المكونة من روسيا والصين والهند وكوريا وجنوب أفريقيا بناتج محلي إجمالي يساوي 28 مليار دولار، لتحتل المرتبة الرابعة، يعكس مثالاً واضحاً على أثر التحالفات الاقتصادية.
ومما لا شك فيه أن منظومة مجلس التعاون الخليجي هي المستقبل القادم لمنطقتنا من حيث العديد من المقومات التي تستطيع أن تتمتع بها كوحدة اقتصادية صاعدة في منطقة الشرق الأوسط وكقوة إقليمية، فمثلاً هذا التكتل الاقتصادي من 6 دول لديها ناتج محلي إجمالي يقارب 1064 مليار دولار، إضافة إلى احتياطيات بما يقارب 620 مليار دولار، فالتجارة البينية والاستثمارات بين دول المجلس في وتيرة تصاعدية، كذلك الخطوات العملية لاستكمال الاتحاد الجمركي الخليجي، وكذلك السوق الخليجية المشتركة والسياسات النقدية التي تفضي إلى العملة الموحدة وكذلك المواطنة الاقتصادية للمواطن الخليجي، إضافة إلى المقومات الاقتصادية كمصدر لإنتاج الطاقة العالمية كالبترول والغاز والثروات الطبيعية والمعدنية والزراعية والسياحية واستغلال الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة، في ظل رغبة صادقة من قيادات دول الخليج لتحقيق تلك الرؤية الموحدة والمصالح المشتركة التي تنطلق من أسس دينية اجتماعية أخلاقية، وتشابه أنظمة الحكم أيضاً فيها والعلاقات الأخوية، وتدعم هذه المنظومة لمواجهة أي تحديات مستقبلية.
فهذه الدول تملك النواحي العسكرية والدفاعية والأمنية، تعززها الاتفاقيات والاستراتيجيات الأمنية والدفاعية المبرمة، ضمن إطار مجلس التعاون وكذلك حجم التعاون العسكري والأمني القائم الذي كان آخره إنشاء القاعدة العسكرية الموحدة لدول الخليج بالرياض، لتعزز هذا التعاون الخليجي المشترك الذي يعد عاملاً مهماً في نجاحها، وبالتالي التصدي للتهديدات المحدقة وتكوين رؤية تكاملية بين دول المجلس ومواقفها السياسية حيال أزمات المنطقة كانحسار النفوذ الأميركي في المنطقة، ما يرجح تغليب مصالح واشنطن وصراعها مع روسيا والصين على علاقاتها مع حلفائها، وتناقضات مواقف تركيا التي لا تخفي النزعة التوسعية التي خلقت أزمات كثيرة للنظام التركي في المنطقة من ليبيا لسوريا ومع أوروبا وكذلك أفغانستان كبؤرة تشتعل للعديد من التنظيمات الإرهابية التي تتصارع فيما بينها لتمثل انعكاساً آخر على منطقتنا بما تحمله من سلبيات وإيجابيات، والبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل بمفاوضاته لإعادة اتفاق نووي منقوص الأركان ولا يغطي في جوانبه كل مصادر الخطر والتهديد التي تمثلها طهران في المنطقة، بل إنه يثبت حجم التنازلات التي قدمها الغرب لإيران برغم ما تمثله من خطر يكمن في فتح حلبة سباق للتسلح النووي في المنطقة، إضافة إلى شبكة الوكلاء التي تقوم بدعمها وتمويلها لتحقيق أهدافها التوسعية على حساب دولنا وعلى حساب شعوبها، كذلك برنامج الصواريخ الباليستية وما يشكله من تهديدات لأمن المنطقة والسلوك الإيراني المعادي لدولنا العربية والخليجية على كل النواحي، ولا ننسى شبكات التجسس والمخدرات وتهريب الأسلحة التي باتت تهدد قيمنا وأخلاقياتنا بإشراف حزب الله في لبنان.
باعتقادي أن هذه الفترة هي فترة الاعتماد على النفس لتحقيق الاكتفاء ذاتياً فتغيير المنظومة الدولية يلزمه تغيير في الاستراتيجيات والمواقف والأدوات، وبناء الذات وتكاتف الجهود، وبالتالي صعود تلك المنظومة كقوة إقليمية تنافس وتفرض إرادتها، فالقوة الآن تفرض بالواقعية في التعاطي مع أي متغيرات قادمة ليست في الحسبان.

* باحث ومحلل سياسي