مارك زاندي
TT

«أوميكرون» لن يعصف بالاقتصاد

لا يزال فيروس «كورونا» يحتل مركز الصدارة في اقتصادنا. ففي الصيف الماضي، تسبب المتغير «دلتا» في تباطؤ النمو وارتفاع التضخم. وبعد انحسار «دلتا»، تعافى النمو. ومع انتشار المتغير «أوميكرون» الآن إلى مختلف أنحاء العالم، فإن الأسابيع القليلة المقبلة سوف تعطينا شعوراً بحجم الخطر الاقتصادي الذي ينتظرنا.
وقد أظهر تقرير مؤشر أسعار المستهلك اليوم ارتفاع التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 6.8 في المائة في الأشهر الاثني عشر السابقة، وهناك أدلة دامغة على أن التضخم قد بلغ ذروته. حتى مع مخاطر «أوميكرون» والمتغيرات الأخرى المقبلة، هناك سبب للتفاؤل بأن الاقتصاد سيرجع لحالة التشغيل الكامل مع انخفاض مريح في التضخم بحلول هذا الوقت من العام المقبل.
ازدهار مبيعات العطلات إشارة واضحة على مرونة الاقتصاد. وحتى الآن، لا يمكن للمبيعات أن تكون أفضل من ذلك. ويكاد يكون من المؤكد أن الإنفاق على هدايا الأعياد سوف يزداد بمعدل مزدوج الرقم، قياساً بالعام الماضي (وهو عام بالغ الهشاشة بالنسبة للمبيعات في حد ذاته). ويعكس قدرا من قوة المبيعات ارتفاع الأسعار. ولكن حتى بعد حساب التضخم، فإن موسم الأعياد قد يوصف بأنه من أفضل المواسم، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق.
وبالنظر للعدد غير المسبوق تقريباً من الوظائف المفتوحة، فهناك سبب وجيه يجعلنا نعتقد أن الشركات سوف تستمر في الإضافة بقوة إلى جداول رواتبها. وكان معدل البطالة في انخفاض سريع، وسوف يعود قريباً، بما يتفق مع اقتصاد التشغيل الكامل للعمالة.
ثم هناك الزيادة في قيمة كل الأصول المملوكة. كما ارتفعت أسعار المساكن لمستويات جديدة من الساحل إلى الساحل. وظلت أسعار الأسهم تسجل أرقاماً قياسية طيلة العام. وتأتي الزيادة في أسعار العملات المشفرة نتيجة طبيعية لذلك.
وعلى الرغم من كل هذا، فإن كثيراً من الأميركيين يشعرون بالتشاؤم إزاء الاقتصاد. فقد هبطت معنويات المستهلك التي تقيس مدى شعور الناس إزاء الاقتصاد ووضعهم المالي بشكل سيئ منذ المتغير «دلتا». وجاءت إحدى استطلاعات الرأي البارزة ضعيفة تماماً، كما كانت منذ أن ظهر الوباء للمرة الأولى.
والمشكلة هي ارتفاع معدلات التضخم. فقد تسارع تضخم أسعار المستهلك في نوفمبر (تشرين الثاني) لأعلى معدلاته منذ التضخم الجامح في أوائل الثمانينات. فأسعار كل شيء تقريباً، من خزان الوقود مروراً بعلبة زبدة الفول السوداني وصولاً إلى الإيجار، ارتفعت كثيراً. وكثير من الأميركيين لم يشهدوا من قبل معدلات التضخم المرتفعة هذه، وهو أمر مخيف.
ولكن أسوأ ما في هذا التضخم قد يكون وراء ظهورنا. فبعد استبعاد تكاليف الوقود والغذاء التي يمكن أن تتبدل بشكل كبير، ارتفع التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 4.9 في المائة خلال الأشهر الـ12 السابقة.
ماذا عن توابع موجة «دلتا»؟
أسعار السلع التي ارتفعت عندما تسببت موجة «دلتا» في انهيار سلاسل التوريد العالمية من المنتظر أن تتراجع مع نجاح سلاسل التوريد في ضبط أوضاعها ببطء. وما زالت معدلات الشحن مرتفعة، لكنها انخفضت عما كانت عليه قبل بضعة أسابيع فقط. وهناك عدد أقل كثيراً من سفن الحاويات التي تنتظر تفريغ بضائعها في ميناء لوس أنجلوس وميناء لونغ بيتش.
وصناعة السيارات كانت الطفل المدلل لمشكلات سلسلة التوريد. وساهم المتغير «دلتا» في إغلاق مصانع أشباه الموصلات في آسيا، مما أدى لحدوث نقص حاد في الرقائق اللازمة لإنتاج السيارات ورفع أسعارها. إلا أن واشنطن تفكر في اتخاذ إجراءات قد تؤدي لزيادة التصنيع المحلي، وربما تساعد على هبوط أسعار السيارات في العام المقبل.
وهناك عامل آخر لا بد أن يزيل التضخم: تخفيف النقص الحاد في اليد العاملة. وقد أدى هذا النقص إلى ارتفاع تكاليف العمل للعمالة الأقل أجراً والأقل تعليماً والأصغر سناً في شركات الخدمات التي عادت للعمل بشكل جماعي مع لقاحات الفيروس. وقد فقد كثير من هؤلاء العمال وظائفهم في ظل الجائحة وبطء العودة لأنهم معرضون بشكل خاص لخطر الإصابة بالفيروس. وفي ذروة المتغير «دلتا»، قال ملايين الأشخاص إنهم عاطلون لإصابتهم بفيروس «كورونا»، أو لأنهم يعتنون بشخص مريض أو خائفون من المرض.
لا شك أن «أوميكرون»، أو أي شكل من أشكال الفيروس في المستقبل، قد يقلب التفاؤل رأساً على عقب. لكنني أتوقع أن تكون كل موجة جديدة أقل إرباكاً لنظام الرعاية الصحية والاقتصاد من سابقتها. وإذا استمر السكان في تناول اللقاحات والجرعات المعززة، مع إتاحة الأدوية والعلاجات الجديدة المضادة للفيروسات، فإن هذا قد يساعد على ضمان أنه مع إصابة عدد أكبر من الناس بالمرض، سوف تنخفض أعداد دخول المستشفيات وتتراجع الوفيات.
وقد صارت الشركات أكثر براعة في التكيف مع الفيروس، وسوف تكون أقل ميلاً إلى عرقلة عملياتها بشكل كبير عندما تظهر الموجة التالية. ويبتكر العاملون في سلاسل التوريد حلولاً للاختناقات، مثل عمليات الموانئ البحرية على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع التي تضمن عدم تعطل السلاسل مرة أخرى.
لا شك أن الموجة التالية من الفيروس تعمل على إبطاء النمو وتشجيع التضخم. ولكن مع تلاشي كل موجة، فإن التعافي ينتعش سريعاً، وسوف يتراجع التضخم؛ كانت هذه هي تجربتنا لما يقرب من عامين.
أجل، يمكن للوباء أن يقودنا إلى طريق مظلم. ولكن ليس هناك سبب يدعونا لتوقع حدوث ذلك.