في الكثير من جوانبه، يبدو التاريخ الأميركي قصة طويلة من الاحتجاجات الكبرى. وبصورة عامة، تأتي هذه الاحتجاجات في نوعين. هناك حركات احتجاجية تعتقد، حتى في حالة المعارضة الشرسة، أن النظام الأميركي يتحرك في نهاية المطاف نحو الوفاء بوعوده الداخلية، أي تلك المتعلقة بالمساواة، والحقوق التي لا يمكن المساس بها، والسعي وراء السعادة، والتعددية وتحقيق اتحاد أكثر كمالاً. هذا ما كان يدور في ذهن فريدريك دوغلاس. وفي خضم اتهامات قاسية للولايات المتحدة بالنفاق، وصف الدستور بأنه «وثيقة حرية مجيدة».
وهناك حركات احتجاجية انقلبت على النظام، إما لأنها تعتقد أن النظام عاجز عن الوفاء بوعوده، وإما لأنها لا توافق على الوعود التي أطلقها النظام من الأساس. ومن الكلمات الخالدة التي قالها مالكولم إكس: «لم نصل إلى بليموث روك، وإنما سقطت الصخرة فوق رؤوسنا».
وتشي تجربة ما يقرب من 250 عاماً من التاريخ الأميركي أن النوع الأول من الحركات ينجح على وجه العموم، مثلما تجلى في إنجازات التحرر والاقتراع والحقوق المدنية والمساواة في الزواج. لقد استهدف هذا الفصيل بناء الدولة، وتقريب الأميركيين من بعضهم البعض على أسس قائمة بالفعل.
أما النوع الثاني - من الكونفدرالية إلى التفوق الأبيض في عصر جيم كرو إلى القومية السوداء المتشددة في الستينات - فدائماً ما يمنى بالفشل.
وتسعى مثل هذه الحركات إلى هدم أشياء الأشياء وتقسيم الأميركيين ورفض واستبدال مؤسساتنا الوطنية.
وتنتمي الحركة الآيديولوجية الاحتجاجية التي يشار إليها بشكل فضفاض بمصطلح «ووكينيس» أو «الوعي الاجتماعي» إلى النوع الثاني من الحركات. وشهد الأسبوع الماضي أول مواجهة رئيسية بين هذه الحركة والديمقراطية الانتخابية، ليس فقط في السباق على منصب الحاكم في ولاية فرجينيا، وإنما كذلك في استفتاء حول استبدال قسم الشرطة في مينيابوليس وحول قضايا القانون والنظام في سياتل. وخلال هذه المواجهات، تناثرت الحركة الجديدة أشلاءً - ولن تكون تلك المرة الأخيرة.
والآن، بالتأكيد يحق للبعض التساؤل حول ما الخطأ في حركة تهدف، في أضيق شروطها، إلى جعل الأميركيين أكثر وعياً بالظلم العنصري في الماضي والحاضر؟ لا شيء. في حالات مثل حالات إريك غارنر وجورج فلويد وأحمد أربيري، كان في انتظار الأميركيين من غير الملونين درس طال انتظاره حول حقيقة أن حياة أصحاب البشرة السمراء لا تزال عرضة لنفس الأعمال الوحشية العرضية التي كانت تقع منذ قرن مضى.
إلا أنه مثل العديد من الحركات التي تفرط في أسباب عملها الأولية، أصبحت حركة «الوعي الاجتماعي» تعني الآن ما هو أكثر بكثير عن مجرد محاولة لإصلاح الشرطة أو شجب الظلم العنصري عند حدوثه. لقد تحولت في الواقع، بدلاً عن ذلك، إلى ادعاء بأن العنصرية سمة واضحة، وليست مجرد نقيصة عارضة، في كل جانب من جوانب الحياة الأميركية تقريباً، من بدايتها حتى يومنا هذا، في الكتب التي نقرأها، واللغة التي نتحدث بها، والأبطال الذين نبجلهم والطرق التي نسير بها والطريقة التي نؤدي بها أعمالنا وما إلى ذلك.
بطبيعة الحال، تبدو هذه وصفة، ليس للحوار الحقيقي والإصلاح، ولكن للتلقين والاستئصال، على أساس صورة متشددة من الوعي العرقي تتحدى العقيدة الأميركية الحديثة في الحكم على الناس بمحتوى شخصيتهم، وليس لون بشرتهم.
تكمن مشكلة هذا الادعاء في أنه خطأ فادح أطلق النار على ماضي الولايات المتحدة بعد أن أدانه بالعنصرية. وكما قال فولكنر: «الماضي لم يمت قط، إنه ليس حتى بماض حقاً». وتتمثل مشكلة أخرى في هذا الادعاء في كونه غير مكتمل ومشوهاً ولا يليق بالأجيال السابقة وما قدمته للولايات المتحدة، ولا يُعبر بصدق عن البلد الذي يعرفه معظم الأميركيين اليوم.
تعمل حركة «الوعي الاجتماعي - ووكينيس» وكأن حركة الحقوق المدنية لم تكن، وأن الأميركيين البيض لم يكونوا جزءاً لا يتجزأ منها. إنها تتصرف كما لو أن 60 عاماً من التمييز الإيجابي لم يحدث على الإطلاق، وتتجاهل حقيقة أن نسبة متزايدة باستمرار من الأميركيين الملونين تنضم إلى الطبقتين الوسطى والعليا (وهم بالمناسبة، يتركزون في الجنوب الأميركي). إنها تعمل كما لو أننا لم ننتخب مرتين رئيساً داكن البشرة وقمنا في وقت قريب فقط بدفن جنرال داكن البشرة تتعامل معه البلاد كرمز أميركي.
وكذلك، تعمل كما لو أن قوات الشرطة الأميركية، في مدينة تلو الأخرى، لا يقودها رؤساء شرطيون داكنو البشرة ويعمل بها ضباط من خلفيات عرقية متنوعة. كما تتظاهر الحركة كما لو أن تفوق البيض لا يزال يجري فرضه على نحو منهجي، بينما يتجاهل حقيقة أن أقلية عرقية كانت مهمشة سابقاً، خصوصاً الأميركيين الآسيويين، تتمتع اليوم بمستويات دخل أعلى من الأميركيين البيض.
ويزداد الوضع سوءاً بكثير عند النظر إلى الحلول التي تقترحها هذه الحركة، والطريقة التي تصف بها هذه الحلول. ولا يقتصر الأمر هنا على مقترح «إلغاء الشرطة» شديد الخطورة لدرجة أن الناخبين سرعان ما استشعروا خطره، وإنما يمتد إلى وصفات أخرى أكثر دقة.
ويمكن إيجاد مثال نموذجي على ذلك في «دليل اللغة والسرد والمفاهيم» الذي أصدرته الجمعية الطبية الأميركية في وقت قريب. ويتضمن الدليل توصيات من عينة التخلي عن مصطلح «محروم» والاستعانة بعبارة «مستبعد تاريخياً وعلى نحو متعمد» بدلاً عنه، واستبدال «مشكلة اجتماعية» بــ«الظلم الاجتماعي»، و«ضعيف» بـ«مضطهد».
في واقع الأمر، هذا ليس سخيفاً فحسب، وإنما أشبه بمهزلة. إنها محاولة فظة لتحويل الكلام اليومي إلى لائحة اتهام دائمة ومسيّسة لـ«النظام». أي شخص قضى وقتاً في تحليل كيفية عمل الأنظمة الشمولية في القرن العشرين سيلاحظ أوجه التشابه.
ومع ذلك، يبقى الأميركيون أحراراً في رفض أخلاقيات هذه الحركة، حتى لو اضطروا في بعض الأحيان للرحيل عن المؤسسات التي ينتمون إليها نتيجة لذلك.
وهنا يكمن سبب فشل حركة «الوعي الاجتماعي - ووكينيس»، ذلك أن كل محاولة لإلغاء كتابات كتّاب بعينهم، سيقابلها ظهور مثل هذه الكتابات عند كتّاب آخرين. وفي مواجهة كل جهد لفرض إملاءات لإصلاح اللغة عن طريق استبدال بعض الكلمات بواسطة أخرى، سيجد الناس طرقاً أكثر هدماً وتدميراً لقول الأمر ذاته.
* خدمة «نيويورك تايمز»
8:37 دقيقه
TT
لماذا ستخفق حركة الوعي الاجتماعي؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة