روس دوتات
TT

هل يمكن للريغانية أن تصعد من جديد؟

على مدار فترة طويلة، تتجاوز تلك التي قضيتها في عملي هذا، كانت نصيحتي دوماً للسياسيين وصناع القرار الجمهوريين ثابتة: إننا اليوم لم نعد في سبعينات أو ثمانينات القرن الماضي، لقد اختلفت الأوضاع. كانت الأفكار المرتبطة بصعود رونالد ريغان إلى السلطة، والتي ظهرت في عصر الحرب الباردة ومعدلات الجريمة المرتفعة والركود التضخمي، بمثابة صور استجابة لأزمات وتحديات عقود في الماضي. وبدا الحزب الجمهوري محكوماً عليه بدورات من الفشل حتى ابتكر أجندة أكثر مواءمة للوقت الحاضر.
ومع ذلك، يبقى عام 2021 المرة الأولى التي يمكن فيها لجمهوري عاقل الاستماع إلى رأيي والرد عليه بقوله: «ولكن ماذا لو أعاد التاريخ نفسه وعدنا إلى عالم رونالد ريغان؟».
أولاً: عاد التضخم أخيراً. منذ وقت مبكر من عهد باراك أوباما، حذر الجمهوريون باستمرار من أن الإنفاق الديمقراطي (أو توسع الاحتياطي الفيدرالي في المعروض النقدي) من شأنه إعادة معدلات التضخم لما كانت عليه في السبعينات. ومن جديد، أثبتت الأيام خطأ هذه التوقعات. إلا أن مزيج فقاعة التحفيز الهائلة التي صنعتها إدارة بايدن ومشكلات سلسلة التوريد التي لم تتجاوز أزمة جائحة فيروس «كوفيد - 19» تماماً بعد، تمكن في نهاية الأمر من خلق ظروف تضخمية بالمعنى الحقيقي على نحو يؤثر بشكل ملموس في الأسعار والرواتب والصعيد السياسي ذاته.
ثانياً: عادت الجريمة لتصبح قضية سياسية كبرى من جديد. إذ بعد الارتفاع الرهيب في معدلات جرائم القتل العام الماضي، ومع أن بيانات عام 2021 تكشف حتى الآن زيادة أقل بكثير، لكن لا تزال هذه زيادة على رأس الزيادة التي شهدها عام 2020، لذلك يستمر معدل جرائم القتل العام في الارتفاع. في خضم ذلك، من السهل ملاحظة مؤشرات انهيار السلطة العامة التي تستحضر لافتات «لا يوجد راديو» التي كانت تزين سيارات مدينة نيويورك، والتي تجلت في تغريدة نشرتها صحيفة «سان فرنسيسكو كرونيكل» في وقت قريب حول أن سكان المدينة كانوا يتناقشون حول ما إذا كان ينبغي لهم «التسامح إزاء عمليات السطو باعتبارها جزءاً من الحياة داخل المدينة، والتركيز على تحصين المنازل»، وصولاً إلى حادثة سرقة وقحة على نطاق واسع في أكسفورد بولاية كونيتيكت، وليس بعيداً عن منزلي، والذي وثقه مقطع فيديو انتشر بقوة.
ثالثاً: للمرة الأولى منذ عهد ريغان، تقف الولايات المتحدة اليوم في مواجهة منافس حقيقي من القوى العظمى يتمثل في الصين، في وقت تقف منطقة سياسية على حافة الهاوية على غرار ما كان عليه الحال أثناء الحرب الباردة حول تايوان. كان الصقور الجمهوريون في فترة ما بعد ريغان في حالة بحث دائم عن التهديد التنظيمي التالي للسياسة الخارجية الأميركية، لكن محاولاتهم تصوير الأصولية الإسلامية على أنها خطر جديد لم تؤد إلا إلى كارثة وتسببت في تلاشي الميزة التقليدية التي لطالما تمتع بها الحزب الجمهوري على صعيد السياسة الخارجية. إلا أن الانسحاب المتعثر لإدارة بايدن من أفغانستان (مهما كان القرار الاستراتيجي صائباً، أو حتى كان جريئاً) على خلفية القوة الصينية المتنامية قد أثار في الأذهان حقبة كارتر - أزمة الرهائن الإيرانية والخوف من التوسع السوفياتي - أكثر من أي شيء حدث في عهد بيل كلينتون، أو باراك أوباما.
وأخيراً، أعطت الطموحات الهائلة المرتبطة بالتوجهات التقدمية الثقافية، ومسيرة الأفكار الناشطة من خلال مؤسسات النخبة والبيروقراطيات العامة، للجمهوريين فرصة لاستعادة مزايا الحرب الثقافية التي فقدوها خلال السنوات الليبرالية الاجتماعية. ومثلما حدث من قبل في سبعينات القرن الماضي، حقق اليسار الثقافي خلال الفترة الأخيرة سلسلة من الانتصارات، لكنه انطلق بعد ذلك بعيداً، ما خلق فجوة بين أفكاره الطليعية والرأي العام، وأتاح فرصة واضحة لانطلاق هجوم مضاد من جانب القوى المحافظة.
بطبيعة الحال، لا يعيد التاريخ نفسه بدقة. والواضح أن ارتفاع معدلات التضخم وجرائم القتل تأثرت بظروف الجائحة على نحو يجعلها أكثر احتمالاً للانحسار بسرعة أكبر عن سابقاتها في السبعينات والثمانينات. في اعتقادي الشخصي، أسهمت مسألة فرض ارتداء أقنعة حماية الوجه داخل المدن الليبرالية في تيسير الجريمة، ما يعتبر سبباً آخر لأميركا الزرقاء للبحث عن خروج أسرع من القواعد التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19».
في الوقت ذاته، فإن عقد مقارنة مع السياسة الخارجية في عهد كارتر تبدو غير دقيقة على أدنى تقدير، فالحرب الباردة الجديدة لا تشبه إلى حد كبير الحرب القديمة، نظراً لغموض طبيعة المواجهة الآيديولوجية والمكانة غير المؤكدة التي تحتلها الصين في المخيّلة الأميركية، بينما قد يتلاشى تعثر بايدن التكتيكي في أفغانستان من الذاكرة العامة، بدلاً من أن يصبح قصة ترسم ملامح فترة رئاسته في الذاكرة الأميركية، مثلما كانت أزمة الرهائن في إيران.
في نهاية الأمر، وبغض النظر عن الميزة الثقافية والحرب التي قدمتها الصحوة الكبرى للجمهوريين، لا يزال اليمين الثقافي يعاني من نقاط ضعف بنيوية عميقة مقارنة بعهد ريغان، جراء انحسار الانتماء الديني والحماس تجاه تكوين الأسرة منذ الثمانينات وتنامي التأثير الآيديولوجي التقدمي، ليس فقط في هوليوود أو المجال الأكاديمي، وإنما كذلك داخل «سيليكون فالي» والشركات الأميركية بشكل كبير.
كل هذا يعني القول إن الجمهوريين سيكونون من الحماقة أن يفترضوا، وإن الديمقراطيين مخطئون في الخوف، من أن ديناميكيات 2021 ستسود طوال عشرينات القرن الحالي، مما يتيح الفرصة لصعود الريغانية.
إلا أنه بالنظر إلى المشهد الانتخابي في هذه اللحظة المحددة، وسياسة عام 2022، يبدو أن الحزب الجمهوري يملك مزايا لم أرَ في حياتي من قبل أنه امتلكها: فرصة للفوز، بل والفوز بقوة، من خلال تجنب إعادة الماضي.

- خدمة «نيويورك تايمز»