سبنسر بوكات ليندل
TT

هل تواجه رئاسة بايدن موجة حمراء جمهورية؟

بات كثيرون الآن يرون أن الحزب الجمهوري قد أصبح لديه الكثير من الأخبار التي تستدعي الاحتفال بعد انتخابات الأسبوع الماضي؛ ففي فرجينيا، الولاية التي فاز فيها الرئيس الأميركي جو بايدن بفارق عشر نقاط العام الماضي، استعاد الحزب الجمهوري منصب حاكم الولاية، وهو إنجاز لم يتمكن من تحقيقه منذ أكثر من عقد، كما اقترب الجمهوريون من فعل الشيء نفسه في نيوجيرسي، وهي ولاية ديمقراطية فاز بها بايدن بنحو 16 نقطة، وفي نيويورك، خسر الديمقراطيون مكاسبهم في السباقات المحلية أيضاً.
وقد بات غنياً عن القول إن نتائج الانتخابات الأخيرة تبدو متسقة مع البيئة السياسية التي قد يستعيد فيها الجمهوريون بشكل مريح كلاً من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي عام 2022.
ولكن ما الذي يخبرنا به انتعاش الحزب الجمهوري هذا عن كيفية تغير الناخبين؟ وما الذي ينبئ به هذا الانتعاش بالنسبة إلى المستقبل السياسي للبلاد في عام 2022 وما بعده؟
ففي عام 1995 طوّر العالم السياسي كريستوفر وليزين نظرية تُعرف بالنموذج الحراري للسياسة الأميركية، والتي تتمثل في النظر إلى الناخب بوصفه شخصاً لديه منظم للحرارة، فعندما تصبح البيئة السياسية ساخنة للغاية فإنه يقوم بخفض هذه الحرارة، وعندما يصبح الجو بارداً للغاية، فإنه يقوم برفعها مرة أخرى.
ومن الناحية العملية، فإن هذه الطبيعة الخاصة بحرارة الرأي العام تتضح في معاناة حزب الرئيس (الديمقراطي) في الانتخابات الأخيرة، وهي التقلبات التي لطالما لوحظت على مدى عقود.
ويجادل البعض بأن أداء الرئيس بايدن قد بات ضعيفاً لأنه اتخذ مساراً يسارياً للغاية فيما يتعلق بالسياسة، إذ تقول النائبة آبيغيل سبانبيرغر، وهي ديمقراطية عن ولاية فرجينيا، لصحيفة «التايمز» البريطانية: «لم ينتخبه أحد ليكون فرانكلين روزفلت، ولكن تم انتخابه ليقوم بدوره الطبيعي ويوقف الفوضى».
فيما يلقي آخرون باللوم على الرؤى السياسية والثقافية الأكثر عمومية، فتقول الكاتبة في «التايمز» مورين دود، في مقال كتبته نهاية الأسبوع الماضي: «لقد أخرج تجاهل بعض السياسات الديمقراطيين عن مسارهم».
ولكن هناك حججاً مضادة قوية لكلا هذين التفسيرين، كما أن الجدل حول «نظرية العرق النقدية» لا يفسر نتائج الانتخابات في نيوجيرسي، حيث كان هناك رد فعل عنيف مماثل ضد الديمقراطيين هناك على الرغم من أن السباق لم يكن يركز بشكل خاص على الثقافة والحرب.
وتجادل الكاتبة ميشيل غولدبرغ بأن السبب الحقيقي يرجع لأن التعليم كان له دور في هذه الدورة الانتخابية، إذ تشير إلى أنه من المحتمل أن يكون الأمر أقل ارتباطاً بنظرية العرق الحرجة بقدر ارتباطه بغضب الآباء من الكابوس الذي طال أمده المتمثل في التعليم عبر الإنترنت، وهو ما يتفق معها عليه الكاتب زاكاري دي كارتر قائلاً: «فقد الكثير من أولياء الأمور في الضواحي الثقة بالمدارس العامة في فرجينيا خلال العام الماضي، ونتيجة لذلك، أصبحوا أكثر انفتاحاً على الروايات المحافظة حول مشكلات المدارس العامة».
وبالنسبة لفكرة أن ضعف أداء الديمقراطيين يرجع إلى تحول الرئيس بايدن إلى تبني سياسة يسارية يجعل المرء يتبنى القراءة المعاكسة للأحداث، إذ إنه خلال حملته الانتخابية، كان بايدن يتطلع علانية إلى رئاسة تنافس حكم روزفلت ومع ذلك فإنه قد تم تأجيل أجندته التشريعية، التي لا تزال تحظى بشعبية واسعة من حزبه، إذن ألا يمكن أن تكون خيبة الأمل، وليس رد الفعل العنيف، هي المسؤولة عن تدني نسبة المشاركة لانتخاب حزبه؟
ويقول البعض إن التحولات التي شهدتها الانتخابات الأسبوع الماضي لها أسباب أكثر عمومية، وهي تتمثل ببساطة في أن الأميركيين في مزاج كئيب، إذ يبدو أن السبب الرئيسي هو وباء فيروس «كورونا المستجد» الذي أدى لتعطيل الحياة اليومية والاقتصادية لفترة أطول مما توقعه الكثيرون.
وعلى حد تعبير ديريك طومسون من مجلة «ذا أتلانتك» الأميركية فإن الديمقراطيين قد يخسرون السباقات الانتخابية المقبلة، فعلى الرغم من الكثير من الاتجاهات الاقتصادية الإيجابية، فإن الأميركيين يشعرون بوجود الفساد، وهم يلومون الحزب الحاكم في ذلك.
ويمكن للجمهوريين أن ينجحوا، وربما حتى أن يكونوا أقوى، من دون الرئيس السابق دونالد ترمب؛ إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن حاكم فيرجينيا المنتخب حديثاً غلين يونغكين، كان قادراً على الاستمتاع بمزايا ترمب، الذي حوّل الكثير من الناخبين غير المشاركين سابقاً إلى ناخبين جمهوريين على مدى السنوات الخمس الماضية من دون تحمل مسؤولية أيٍّ من التزاماته، وقد فعل ذلك من خلال التنصل من أفكار الرئيس الأميركي السابق.
ففي البيئة السياسية الحالية، يبدو أن تحالف ترمب مستعد للمشاركة في التصويت حتى لو لم يكن الرئيس السابق أحد الخيارات المطروحة على ورقة الاقتراع، وهذا يعني أن محاولة استخدام الخوف من مؤيدي ترمب للحصول على أصوات الناخبين المتأرجحين لا تبدو استراتيجية قابلة للتطبيق بالنسبة للديمقراطيين.
وقد باتت مشكلة الديمقراطيين مع الناخبين البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي تزداد سوءاً، فعلى مدى عقود حتى الآن، فقدت الأحزاب اليسارية في جميع أنحاء العالم الدعم بين قاعدتها التقليدية من الطبقة العاملة، كما عانى الحزب الديمقراطي من هذه الظاهرة، حيث أصبح الناخبون البيض أقل استقطاباً من حيث الدخل، وأكثر استقطاباً بسبب التحصيل العلمي.
ويبدو أن هذا الاتجاه يؤكد نفسه في انتخابات فيرجينيا الأسبوع الماضي، فوفقاً لموقع FiveThirtyEight فإن الانقسام بين الناخبين البيض الحاصلين على شهادة جامعية وغير الحاصلين عليها قد بات يزداد بشكل كبير.
ولكن الأمر لا يتعلق بالناخبين البيض فقط، ففي السنوات الأخيرة فقد الديمقراطيون أيضاً مكانتهم بين الناخبين اللاتينيين، فضلاً عن الناخبين السود والناخبين من أصل أسيوي، ولكن بقدر أقل، مع أكبر انخفاض بين أولئك الناخبين الذين لم يلتحقوا بالجامعات.
وتشير نتائج انتخابات الأسبوع الماضي إلى أن الحزب الجمهوري سيعاني من عواقب انتخابية قليلة في عام 2022 بسبب تحوله الأخير المناهض للديمقراطية، ففي الظروف العادية، كنت أرى ذلك أمراً سيئاً، وذلك لأن آرائي السياسية أقرب إلى الديمقراطيين، ولكن في ظل الظروف الحالية غير العادية، ومع وصول الديمقراطية الأميركية إلى حافة الهاوية بسبب تطرف الحزب الجمهوري الحالي، فإن الجميع يحتاجون إلى فهم أن الوضع الطبيعي يمكن أن يكون كارثياً.
من جانبه، يعتقد أستاذ التاريخ والقانون في جامعة ييل الأميركية، صمويل موين، أن النهج الحالي يبدو خاطئاً وذلك بالنظر إلى شعبية السياسات الاقتصادية التقدمية، ولكن في النهاية، كما يقترح موين، فقد لا يكون لدى السياسة القدرة على إنقاذ الديمقراطيين من الهزيمة، إذ يعتقد بعض علماء السياسة أن الديمقراطيين ينظرون إلى الأهمية الانتخابية للسياسة ولكنهم لا يتحدثون بما يكفي عن القيم.
ولكن القيم التي ركز عليها بايدن كانت بمثابة الإجابة الليبرالية لعقيدة ترمب التي تنادي بجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وهو الوعد بإعادة «روح أميركا» إلى طبيعتها السابقة، فقد وعد بايدن بالعودة للحياة الطبيعية، ولكن حصل الأميركيون على حياة غير طبيعية، وهو ما جعل الديمقراطيين يعاقَبون في صناديق الاقتراع، إلا أن الطريق نحو انتخابات التجديد النصفي ستكون أكثر نجاحاً للديمقراطيين في عام 2022 من خلال عكس هذه الاستراتيجية، وكخطوة أولى فإنه يجب أن يشعر الأميركيون بتحسن الأوضاع، ثم يخرج الديمقراطيون للتحدث عن ذلك.
* خدمة «نيويورك تايمز»