روس دوتات
TT

جيمس بوند ليس لديه وقت للصين

في الحلقة الأخيرة من سلسلة أفلام «جيمس بوند» بطولة دانييل كريغ بعنوان «لا وقت للموت»، تظهر علامة بارزة في الجغرافيا السياسية الخاصة بالسيد بوند: لقد انتهت سلسلة الأفلام لتوّها من بلوغ القوس المكون من خمسة أفلام مع ممثل رئيسي واحد، ووسط كل تلك الأحداث المؤلمة التي تحيط بالكرة الأرضية، ما كنت لتدرك أبداً أن الصين موجودة، إذ ظهرت شنغهاي وماكاو في الخلفية لفترة وجيزة، وقد تعرض أحد الأوغاد للتعذيب، خارج مجال العرض وفي الماضي، على أيدي قوات الأمن الصينية — ولكن إجمالاً، فإن السلسلة التي خرجت للعرض خلال سنوات صعود الصين لم تعطِ أي إشارة إلى أن المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، كان أكثر أهمية من أي موقع يخوض فيه السيد بوند قتاله المعتاد.
ولكن إحقاقاً للحق، لم تكن أفلام جيمس بوند من حقبة الحرب الباردة مهووسة بروسيا، حيث كانت معنية بمواجهة كبار الأوغاد غير المنتمين لدولة بعينها أكثر من مواجهة الخصوم السوفيات الحقيقيين. غير أنَّ حقيقة القوة الروسية كانت جزءاً لا يتجزأ من النسيج الدرامي لتلك السلسلة. حيث ظهر الممثل نفسه رئيساً للاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، على سبيل المثال، في خمسة من أفلام جيمس بوند في السبعينات والثمانينات.
غياب الصين عن عالم السيد بوند هو جزء من غيابها العام عن السينما الأميركية. خشية من خسارة السوق الصينية، ووسط الاستخدام العدائي للقوة التجارية الناعمة من طرف بكين، خلال ربع قرن تقريباً منذ فيلم «سنوات سبع في التبت» للممثل براد بيت، وفيلم «الركن الأحمر» للممثل ريتشارد جير، لم يظهر النظام الشيوعي الصيني في صورة سلبية لافتة للأنظار ضمن أفلام هوليوود إلى حد كبير. بل إن الصين تظهر في الإنتاج الدرامي بتركيز ناعم بعض الشيء، كما في فيلم «المريخي»، وفيلم «الوصول»، أو لعله يتخذ أشكالاً خيالية أخرى، كما في فيلم «مولان»، وفيلم «شانغ تشي».
أو كما في كثير من الأحيان، كما في أفلام دانييل كريغ، بالكاد تجد ظهوراً للصين على الإطلاق. إنَّ ثقافة البوب الآسيوية التي تحظى بقدر متزايد من النفوذ على الولايات المتحدة، تميل في الغالب ناحية الكوريين واليابانيين، في حين تظل الصين برغم كل قوتها، ورغم تشابكها الاقتصادي، ورغم دورها الحاسم في مناقشاتنا السياسية الأميركية ومناظراتنا الخاصة بالصحة العامة، مجرد مجال مفتوح للخبراء، ولا تزال حياتها الداخلية وثقافتها أكثر غموضاً وإبهاماً.
ونتيجة لهذا، فإن علاقتها بالنقاشات الآيديولوجية الأميركية مائعة ومشحونة وغريبة. كانت الأمور أبسط من ذلك قبل 15 عاماً، عندما كان الانفتاح على الصين - سياسة التبادل التجاري، مع توقع تحرير الصين، والحسد من حين لآخر على كفاءتها التكنوقراطية الظاهرية - هو الموقف الأساسي الافتراضي، مع تركيز الانتقادات الاقتصادية على ما تعنيه علاقة (صي - ميركا: إشارة إلى العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة) للعمال الأميركيين، والمخاوف من طموحات بكين الجيوسياسية على أقصى طرفي اليسار واليمين.
لكن كما أصبح واضحاً أن الانفتاح على الصين لم يكن يؤدي إلى التحرر السياسي، ومع اتضاح تكاليفه الاجتماعية والاقتصادية على داخل الولايات المتحدة أيضاً، كان هناك تزاحم (احتشاد) آيديولوجي لم ينتهِ بعد.
نرى على طرف اليسار الآن عدة نبضات. هناك هامش غير مهم، لكنه مثير للإعجاب لفكرة «الدبابات» على الإنترنت - في إشارة إلى الشيوعيين الذين برروا إرسال الدبابات السوفياتية إلى غزو المجر - مناصرين بقوة لنظام بكين. وهناك طرف اليسار الخاص بالسيد بيرني ساندرز الذي يريد انتقاد النظام الصيني فيما يتصل بالتجارة وحقوق الإنسان، لكنه يخشى أي شيء قد يبدو داعياً للحرب. وهناك أيضاً طرف اليسار الذي يعتقد أن المخاطر الوجودية المرتبطة بالتغيرات المناخية تتطلب التعاون العميق مع بكين.
ومن ناحية أخرى، فقد تيار الوسط تفاؤله بشأن تحول الصين إلى الديمقراطية. ولكنه ليس متأكداً من محور المواجهة ومحاولة تفكيك اقتصاداتنا، أو ما إذا كانت العولمة تجعل من هذا التفكك أمراً مستحيلاً، وبالتالي نحن بحاجة، مع التمسك بأي شيء، إلى تعميق العلاقات بدلاً من ذلك (تمتد هذه الفجوة عبر حكومة الرئيس بايدن).
كما يتضمن تيار اليمين العديد من الميول. فهناك عقلية النسخة الثانية من الحرب الباردة، التي تخشى الصين باعتبارها تهديداً آيديولوجياً شاملاً، مع دمج النموذج الشيوعي القديم مع تقانات الرصد والمراقبة في القرن الحادي والعشرين، التي تعد بجعل الشمولية مجالاً عظيماً مرة أخرى. وهناك منظور واقعي ينظر إلى الصين باعتبارها منافساً تقليدياً من القوى العظمى ويركز على الاحتواء العسكري. وهناك وجهة نظر ترى الصين والولايات المتحدة على أنهما تتقاربان في واقع من التراجع الواضح — مع المشاكل المتماثلة، من انخفاض معدلات المواليد إلى عدم المساواة الاجتماعية إلى التعاسة عبر الإنترنت.
ولكن بالنسبة للبعض على تيار اليمين، تأتي هذه النظرة الأخيرة مع بعض الدخن، حيث تكاد الدولة الصينية تحظى بالإعجاب بسبب محاولتها العمل ضد هذا التراجع والانحطاط - كما هو الحال في محاولتها فطام الشباب عن «الأفيون الروحاني» المتمثل في ألعاب الفيديو على نحو لا يمكن للمجتمعات الليبرالية أن تستطيعه.
ووراء كل هذه الاختلافات يبقى سؤال: أي نوع من النظام هو الصين، حقاً؟ أهي دولة ماركسية لينينية ذات أهداف رأسمالية؟ أم هي نظام استبدادي يحظى بالجدارة؟ أم أنها دولة فاشية ذات سمات ماوية؟ أو هي شكل جديد من الشمولية الرقمية؟ أو نظام كونفوشيوسي جديد، يوجه التيار المحافظ القديم من خلال حكم الحزب الواحد الحديث؟ أم هي النسخة المعكوسة من الولايات المتحدة في عصر الإنترنت؟
الأميركيون لم يبرعوا قط في فهم المجتمعات الأخرى، ومن الواضح أن قلة من الأوغاد الصينيين في أفلام جيمس بوند لن يسلطوا مقدار الأضواء التي نحتاج إليها. ولكن موقف هوليوود المتسامح في التعامل مع القوة الصينية يشكل نافذة مفيدة إلى مشكلة أكبر: نحن بحاجة إلى أن نرى منافسنا العظيم في القرن الحادي والعشرين بوضوح كبير، حيث غالباً ما نرى ذلك فقط من خلال زجاج قاتم، هذا إن حدث ذلك على الإطلاق.
* خدمة «نيويورك تايمز»