مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

من يفعل معي (معروفاً)؟!

ردت امرأة شابة الجميل لرجل يعيش متشرداً بلا مأوى، قدم لها 20 دولاراً في ساعة حاجة، بأن أعادت إليه المبلغ 110 آلاف دولار مكافأة له على هذا الفعل، بأن قامت بتنظيم حملة خيرية للتبرع له، وكانت الشابة الأميركية كيث مكلور، تقود سيارتها عندما اكتشفت أن الوقود قد نفد وليس معها ثمن البنزين، فقام الرجل بعونها، بأن ذهب سيراً على قدميه إلى محطة البنزين التي كانت تبعد ما لا يقل عن عشرة كيلومترات، واشترى بنزيناً بما في جيبه، وسكبه في خزان السيارة التي انطلقت بها إلى المحطة لتملأ خزانها (full) - انتهى.
وموقف مشابه سرده حاكم الشارقة (الشيخ سلطان القاسمي) قصة حدثت معه في ستينات القرن الماضي بمصر أثناء دراسته في جامعة القاهرة، مؤكداً أنه لم ولن ينساها وسيورثها لأولاده وبناته وأحفاده، وروى ذلك على هامش مشاركته في منتدى شرم الشيخ، وقال إن مصرياً يدعى (إبراهيم علي حسن)، كان يعمل بواباً في عمارة بمنطقة الدقي سكن في إحدى شققها الشيخ سلطان الذي قد حدته الظروف، فما كان من البواب إلا أن أقرضه (300) جنيه وهي كل حصيلته.
وسمعت أن الشيخ بعد أن أصبح حاكماً للشارقة، تذكر ذلك الرجل وبحث عنه ودعاه وأكرمه.
وصدق الشاعر القائل:
من يفعل المعروف لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
يا ليت من يقرأ كلامي هذا يفعل معي معروفاً، على شرط أن يكون (حرزان) - وإلا ما أقبل. وبما أننا بصدد الحديث عن مصر (أم الدنيا)، ومعادن أهلها الطيبة فلا بد أن أشير إلى نماذج وتناغم وتعايش أفراد ذلك الشعب مهما اختلفت مذاهبهم.
وإذا كانت هناك مراحل قصيرة ومحدودة وشاذة قد حاولت أن تعكّر هذا التلاحم، فهي ليست بمقياس، وذهبت ولله الحمد أدراج الرياح، وإليكم شيئاً من هذا التلاحم:
فقد قرأت عن معلّم مسيحي، يبلغ من العمر 95 عاماً واسمه (عياد حنا شاكر)، أنه كان يقوم بتحفيظ التلاميذ المسلمين أجزاءً من القرآن الكريم بقرية قرب طهنا الجبل في محافظة المنيا بصعيد مصر، حيث إنه كان هو الوحيد وقتها في تلك القرية الذي يستطيع القراءة والكتابة.
وبالمقابل: نشرت وسائل إعلام مصرية مقطع فيديو لمقرئ يدعى الشيخ (نزيه متولي) يقوم بقراءة آيات من سورة مريم في عزاء مسيحي، استجابة لطلب أهل الميت، وكانت أعينهم طوال القراءة تفيض بالدموع إلى درجة أنهم تمنوا ألا يتوقف الشيخ عن القراءة.