د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الحشد الميليشياوي والانقلاب على الانتخابات

الحشد الميليشياوي مهما اختلف مكان وجوده وزمان حدوثه، سواء في العراق أو ليبيا أو اليمن أو سوريا، لا تختلف خصائصه وسياساته تجاه الديمقراطية والعملية الانتخابية وآلية رفضه لنتائج الصندوق الانتخابي لمجرد خسارته، والتهم جاهزة؛ فإما بالتزوير أو المظلومية وإقصاء «الإسلام» الذي يظنون أنهم أولياء عليه دون باقي المسلمين.
ولعل رفض فصائل شيعية في العراق نتائج الانتخابات البرلمانية، ومنها تحالف «الفتح» و«دولة القانون» و«عصائب أهل الحق» وكتائب «حزب الله» ميليشيا «حزب الله» العراقي، وباقي ميليشيات «الحشد» في العراق، هو انقلاب على العملية الديمقراطية ورفض لنتائج الصندوق الانتخابي، كعادة جماعات الإسلام السياسي المسلح.. ينقلبون على العملية الديمقراطية ويرفضون نتائج الصندوق الانتخابي في حالة خسارتهم، وهي عملية سبقتهم فيها جماعات الإسلام السياسي في ليبيا عام 2014 عندما خسرت الانتخابات، فامتشقت السلاح والمدافع وخاضت حرباً ضروساً أفسدت الأرض وأهلكت النسل إلى يومنا هذا.
الانقلاب على نتائج الصندوق الانتخابي هو ديدن جماعات الإسلام السياسي وخاصة المسلح، وإن كان جميع الفصائل والأحزاب التي ترفع الشعار الديني هي أحزاباً مسلحة وأغلبها ميليشيات خارجة عن سلطة الدولة والأمثلة كثيرة ومتعددة من لبنان إلى اليمن مروراً بليبيا والعراق وسوريا وفلسطين.
التنكر لنتائج انتخابات شاركت فيها جميع أطياف الشعب بتنوعه، وكانت تحت إشراف دولي، ولم يسجل فيها أي انتهاك أو تزوير، يجعل من المتنكر للنتائج ليس إلا عابثاً قرر الانقلاب لمجرد خسارته ورفض القبول بالهزيمة والخسارة، وتفقد سلاحه على كتفه ليشعلها حرباً لا يعرف أحد متى تنتهي، وما هي نتائجها.
الزعم بالتزوير وبوجود سيطرة خارجية على التكنولوجيا المستخدمة في التصويت والعدّ، حيث قال رئيس البرلمان العراقي الأسبق محمود المشهداني: «تزوير الانتخابات لم يكن عراقياً، بل كان سيبرانياً، وهذه لا تنفذها سوى دول، وليس بمقدور القوى العراقية فعل ذلك»، جاء الردّ عليه بالنفي المطلق من مستشار رئيس الوزراء العراقي، عبد الحسين الهنداوي، الذي قال: «إن اللجنة العليا المستقلة للانتخابات أكملت العد اليدوي بجميع مراكز الاقتراع، وجاءت نتائج العد اليدوي مطابقة للعد الإلكتروني».
الكذب والزعم بالمظلومية، وأن الانتخابات سرقت وتم تزويرها وإبعاد «الإسلام» السياسي، وأنه «جاء لضرب تمثيل الهوية (الإسلامية) الوطنية سياسياً»، كما زعم الحزب الإسلامي العراقي، لا يستقيم ولا يقبله عقل مع فوز التيار الصدري بالمرتبة الأولى، والأكبر حجماً (71 مقعداً)، وهو أيضاً حزب إسلامي له امتداد شيعي كبير في العراق، فكيف يكون من «زوّر الانتخابات لإبعاد الهوية (الإسلامية) يأتي بأكبر حزب شعبي إسلامي في العراق على رأس الفائزين»؟!
محاولة إقناع العالم بوجود هجوم سيبراني خارجي من خلال التحكم بالسيرفرات الخاصة، يعتبر كلاماً غير ناضج علمياً ولا سياسياً، بل يكاد يعتبر قائله أو ناقله يعاني من هوس بنظرية المؤامرة.
ضعف التجربة والإفلاس السياسي وهوس السلطة، جميعها عوامل مشتركة وراء رفض نتائج الانتخابات لدى جماعات الإسلام السياسي في أي مكان بالعالم، فليست حكراً على العراق، فقد سبقهم الإسلام السياسي في ليبيا برفض نتائج الانتخابات، وأشعل حرباً دمرت مطارات مدنية بطائراتها، وحقول نفط أشعل فيها النيران لمجرد خسارته في الانتخابات، وكذلك فعل «حزب الله» اللبناني، وفعل الحوثي في اليمن الشيء نفسه وخاض حرباً انقلابية لا تزال رحاها مشتعلة في اليمن إلى يومنا هذا، فحاملو شعار «الإسلام السياسي» لا يختلفون، وإن اختلفت البلدان والأزمنة، وتجمعهم خصائص واحدة، هي استخدام الديمقراطية وسيلة تبرر الغاية، وهي الاستيلاء على الحكم والاستمرار فيه، فالديمقراطية والصندوق الانتخابي لديهم مجرد عود كبريت يشتعل مرة واحدة، وإذا خسروا الصندوق الانتخابي احتكموا لصناديق الذخيرة والرصاص.