وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

حظنا في 2022 قد يكون أفضل

أسعار النفط اليوم فوق 80 دولاراً ومن المتوقع أن تصل إلى 90 دولاراً خلال الأسابيع القادمة إذا ما استمرت الأزمة الحالية للغاز في أوروبا.
وبفضل هذه الأسعار العالية رفع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي توقعاتهما لنمو الاقتصاد السعودي هذا العام والعام القادم، وغيرت وكالات التصنيف الائتماني نظرتها إلى الملاءة المالية للمملكة.
كل هذا جميل ولكن هل هو مستدام؟
في حقيقة الأمر الفضل يعود في كل هذا إلى الحظ الذي ساعدنا كثيراً هذا العام لنرى أسعار النفط عند مستويات هي الأعلى منذ سبع سنوات لخام غرب تكساس الوسيط وثلاث سنوات لخام برنت.
لقد لعب الحظ دوره منذ أن زاد الطلب بصورة مفاجئة على النفط في العالم وتبع ذلك انقطاع الإنتاج في أميركا الشمالية بسبب العواصف وبعض الحوادث، مثل الذي وقع في المكسيك. وإضافة إلى ذلك واجهت أوروبا أسوأ أزمة غاز وطاقة منذ سنوات بسبب النقص في معروض الغاز مع دخول الشتاء، ما أدى إلى زيادة الطلب على النفط ومشتقاته لتعويض نقص الغاز.
وقد يستمر الحظ معنا في العام القادم مع استمرار أزمة الغاز في أوروبا وزيادة تعافي الطلب عالمياً على النفط رغم أن منظمة الـ«اياتا» لا تتوقع عودة الطلب على السفر والنقل الجوي بصورة قوية العام القادم.
هناك مقولة إن الحظ يختار الشخص الشجاع والجاهز، بمعنى أن الحظ يأتي لاحقاً وليس سابقاً لمجهود الشخص أو الجهة أو الدولة.
إن نصف الحظ الذي حصلت عليه المملكة هذا العام هو نتيجة تخطيط، سواء على مستوى السياسات الداخلية التي أبقت على النمو قوياً وعلى التعافي قائماً، أو على مستوى السياسات النفطية، حيث لا تزال المملكة تأخذ سياسات حذرة في إنتاج النفط ولم تدفع بكميات أكثر مما تم الاتفاق عليه مع باقي كبار المنتجين في تحالف أوبك+ بالرغم من كل الضغط الأميركي على التحالف وعلى المملكة لضخ المزيد.
هذا الحظ الجميل ساعدنا في توفير تمويل لبناء قاعدة أصول كبيرة لصندوق الاستثمارات العامة، حيث لا يزال الصندوق يتوسع في الإنفاق داخلياً أو في شراء أصول خارجية.
ولأن الحظ معنا انخفضت البطالة بشكل معقول وعادت السوق المالية السعودية إلى الانتعاش بفضل السيولة العالية في الاقتصاد وشهدنا أرقاما خرافية في حجم الطلب على الاكتتابات (تريليون ريال حجم تغطية اكتتاب شركة أكوا باور على سبيل المثال).
من كان يتوقع كل هذا؟ لا أحد. ولأنه لا أحد كان يتوقع هذا فإن الحظ عامل كبير جداً في أي عملية للتخطيط. ولكن من الصعب أن يحالف نفس الحظ دولا كثيرة مجاورة ضربتها الأزمة حتى اليوم لأنها دول لا يوجد لديها أي خطط في الظروف الطبيعية ناهيك عن الأزمات.
وكل المؤشرات اليوم تظهر أن الحظ في 2022 سيكون أفضل مع مزيد من التعافي على الطلب واستمرار أزمة الطاقة الأوروبية التي دفعتها أوروبا نتيجة توجهاتها العدائية تجاه النفط والغاز. ويبقى السؤال ذاته قائماً؟ هل للأفراد نفس الحظ الذي تشهده الدول؟ إذا غاب التخطيط غاب الحظ للدول والأفراد.