د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تونس وجندرة الوزير الأول

بعد أن كشف الرئيس التونسي قيس سعيد عن اسم رئيس الحكومة، يكون قد أطفأ بذلك أحد ألسنة النيران الملتهبة التي تشعلها «النهضة» ومؤيدوها، في محاولة لزعزعة الاستقرار، ودفع الشارع التونسي نحو العنف، عبر التسلل للمظاهرات التي تطالب بعدم انفراد الرئيس بجميع السلطات للحفاظ على المكسب الديمقراطي، وأيضاً منع التغول الرئاسي - حسب زعمهم - على السلطات والفصل بينها، والتمسك بالديمقراطية خياراً للحياة السياسية التونسية، على العكس من «النهضة» وزعيمها راشد الغنوشي، الذي يتمسك بالسلطة حتى داخل حزبه، الذي يتربع على عرشه لأكثر من عشرين عاماً دون أدنى درجة من درجات الديمقراطية وتداول السلطة.
الرئيس التونسي قيس سعيد يكلف نجلاء بودن رمضان بتشكيل حكومة جديدة، في بيان صادر عن قصر قرطاج: «عملاً بأحكام الأمر الرئاسي رقم 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر (أيلول) 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 16 منه، كلّف رئيس الجمهورية قيس سعيّد، السيدة نجلاء بودن حرم رمضان بتشكيل حكومة».
قرار رئيس الجمهورية الذي جاء بعد شهرين من إقالة الحكومة السابقة وتجميد أعمال البرلمان، الأمر الذي تسبب في غضب لدى حركة النهضة، التي فشلت في حشد الشارع واستنساخ ساحة رابعة العدوية في تونس، بل أظهرت القرارات تأييداً شعبياً واسعاً للرئيس التونسي الذي حاول الغنوشي ورئيس الحكومة المقال المشيشي محاصرته والإبقاء عليه مسلوب الصلاحيات في قصر قرطاج، ولكن الرئيس أستاذ القانون الدستوري استطاع تفكيك أخطبوط النهضة من خلال الدستور ونزع أسنانها وبعض مخالبها.
جندرة الوزارات وتوزير المرأة ليس بمستغرب على تونس البلد الديمقراطي، ولكن منصب رئيس الحكومة هو العلامة الفارقة اليوم في تونس، وضمن جدل واسع وفشل كبير لحق بمن تم تسميتهم رئيساً للحكومة من صف الرجال، ظهر علينا اليوم الرئيس قيس سعيد بتوزير امرأة وزيراً أول أو كما يسمى رئيساً للحكومة في بلدان كثيرة.
بالتأكيد، لم يكن الاختيار فقط لمجرد تأنيث وجندرة المنصب، بل يعتبر نقلة جديدة وخروجاً عن المألوف الذكوري، وكان نتيجة مداولات ونقاشات لمدة تكاد تتجاوز الشهرين تأنى فيها الرئيس قيس سعيد في تسمية الوزير الأول، خاصة بعد أن خاب أمله في المشيشي الوزير الأول السابق الذي اختاره ثم سرعان ما انقلب عليه وتمرد واصطف في صفوف حركة «النهضة»، وأصبح تابعاً لها متمرداً على قصر قرطاج.
الحكومة الجديدة ستكون مسؤولة أمام الرئيس قيس سعيد، الذي وضع نظاماً مؤقتاً للسلطات، لحين الانتخابات المبكرة.
العودة للوراء في تونس تجاوزها الزمن، وأعتقد أن الغنوشي الآن يفاوض على الخروج الآمن له ولبعض المقربين منه، أما إذا اختار العنف، كما هدد في بعض تصريحات له بتحريض الشارع الذي خذله أصلاً، أو استخدام بعض أذرع «الإخوان» وجناحهم السري لزعزعة الاستقرار، فإنها ستكون بمثابة رصاصة الرحمة على مستقبل حركة «النهضة» الذي تهاوى، ولا أعتقد أنه سيكون لها بقية، بعد عاصفة الغضب الشعبي وسيل الاستقالات بين صفوفها.
اختيار نجلاء بودن أول امرأة تكلف بتولي منصب رئيس حكومة في تاريخ تونس، خطوة أظنها ناجحة للخروج من الخلافات الحزبية، خاصة أن السيدة نجلاء من «التكنوقراط» وغير محسوبة على أي تيار سياسي في البلاد.
تسمية رئيس الحكومة، جاءت خطوة مهمة بعد أن أطال الرئيس قيس سعيد التفكير في الاختيار حتى ظن الشارع أنه سينفرد بالسلطات جميعاً، فالخطوة جاءت في التوقيت الصحيح والمكان والاختيار الصحيح لإنعاش الاقتصاد المتعثر ومكافحة الفساد، ضمن حزمة من الإصلاحات السياسية ستشمل تعديل الدستور ونظام الحكم والقانون الانتخابي.