نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

خطط نتنياهو للفلسطينيين

الخلاف الأميركي الإسرائيلي «شديد اللهجة»، ووفق التجارب السابقة، لم يصل وأغلب الظن أنه لن يصل إلى الحد الذي طالما تمنيناه، أي تحوله إلى سياسة تجبر إسرائيل على الإذعان للاتجاه الدولي بإقامة دولة فلسطينية وفق المنظور الأميركي، ذلك أن تجاربنا السابقة في قراءة الخلافات بين الحليفين، كانت تؤدي على الدوام إلى نتيجة واحدة.. مصالحات وترضيات لإسرائيل، وابتعاد عن الحل مع الفلسطينيين، الذين اختار الأميركيون ولعقود طويلة، إدارة أزماتهم وليس حل قضيتهم.
والمرجح ألا تتطور الأزمة بين الجانبين على النحو الذي يؤدي إلى تغيير ملموس في السلوك الأميركي تجاه الحل على المسار الفلسطيني، وهذا أمر يدركه نتنياهو أكثر بكثير مما يدركه المعنيون في أمر الصراع الشرق أوسطي، وتحديدا الجزء الفلسطيني منه، ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المتجدد، جرّب كل أنواع الخلاف مع أوباما، واكتشف أنها دائما تفضي إلى مكاسب يحصل عليها في داخل إسرائيل وبصورة أفضل داخل الولايات المتحدة ذاتها، ومنذ حلول أوباما في البيت الأبيض رئيسا حتى أيامنا هذه، فلن نجد من يدلنا على خسارة ولو قليلة لنتنياهو، بل إن الذي حدث أن «الساحر» (كما يسميه عشاقه في الكونغرس) تكرّس كحصان طروادة المعلن الذي اخترق أسوار الإدارة وحقق للجمهوريين ما لم يستطيعوا تحقيقه بوسائلهم المألوفة ضد أوباما وسياساته وخصوصا الخارجية منها.
قد يجد نتنياهو ما يقوله خلال الأسابيع القادمة لتهدئة الجبهة مع البيت الأبيض، والرجل وفق حساباته المتمكنة من الوضع الداخلي في أميركا لا يحتاج إلى أكثر من عدة أشهر للمناورة والمراوغة، وبعد هذه الأشهر فلن يكون بحاجة لفعل شيء، فالحملات الشرسة بين الديمقراطيين والجمهوريين ستوفر عليه عناء المعارك والاشتباك عن بعد، وحين تبدأ الحملة، هذا إذا لم تكن قد بدأت بالفعل منذ الآن، سوف ينصرف نتنياهو إلى معالجة وضعه مع الفلسطينيين، فهو يعرف أن ما سيفعل خلال السنة الأخيرة لولاية أوباما، ومهما كان صاخبا وعدوانيا وقاسيا، فلن يلتفت إليه أحد من المتنافسين، بل قد يتسابقون على إرضائه، فهكذا يجري الصراع الأزلي على الأصوات.
فماذا يمكن أن يفعل نتنياهو خلال الفترة القادمة؟
وفق المؤشرات التي ظهرت غداة فوزه في الانتخابات، فإن الرجل سيستخدم سلاحًا قديمًا جديدًا، ويظنه فعالا في صراعه العميق والمستمر مع الفلسطينيين، إنه سلاح التسهيلات، وطريقته في استخدام هذا السلاح تقوم على أساس تجاوز السلطة الفلسطينية وفتح الأبواب واسعة أمام الناس، على نحو يراهن من خلاله على تحويل السلطة من مصلحة شعبية إلى عبء ثقيل، ولقد بدأ تنفيذ هذه السياسة جزئيا وتدريجيا من خلال تعظيم دور الإدارة المدنية الإسرائيلية في كل المجالات الحيوية مثل زيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل بتناسب مدروس مع تفاقم الوضع الاقتصادي في المناطق التي عاد الإسرائيليون في كثير من الأحيان إلى تسميتها بـ«يهودا والسامرة» والوعد بإنشاء مناطق صناعية في الضفة الغربية وتسهيل دخول مئات الألوف من أهل الضفة إلى إسرائيل، إضافة إلى مغازلة الوضع في غزة بزيادة عدد الشاحنات العابرة إليها من إسرائيل، والمحملة ببضائع تقررها إسرائيل وفق ما تراه مناسبا لاحتياطاتها الأمنية، وإذا ما وضعت هذه التسهيلات في مساق سياسي، فساعتئذٍ يمكن فهم المغزى الكامن وراء تصريحات وزير الدفاع الجنرال يعالون، الذي هو الأقرب إلى نتنياهو وتفكيره وسياساته، تلك التصريحات التي وصف فيها علاقة إسرائيل بالفلسطينيين على أنها علاقة التوأم السيامي الذي يستحيل فصله.
هذا ما تسير عليه حكومة نتنياهو وتنفذه على الأرض، بينما كثيرون منا يطاردون طواحين الهواء تحت عنوان الخلاف الأميركي الإسرائيلي وعن ماذا يُسفر؟.