روس دوتات
TT

ماذا لو أن «كوفيد» أكثر فتكاً بـ10 أضعاف؟

قبل أيام قليلة، كتب كريس هايز، المذيع بمحطة «إم إس إن بي سي»: «تولد بداخلي اعتقاد بأنه حتى لو كانت أعداد ضحايا فيروس «(كوفيد - 19)» عشرة أضعاف ما هي عليه الآن، فإن الجوانب السياسية المحيطة به لم تكن لتختلف كثيراً».
في الواقع، أعجبني هذا السؤال باعتباري من المهتمين بالوقائع المضادة المرتبطة بـ«كوفيد - 19» ـ تحديداً مسألة ما إذا كانت الآيديولوجيا والهوية والولاء للمجموعة الصغيرة تحدد كل ما يتعلق بالاستجابة للوباء، أو ما إذا كان هناك عالم أصر خلاله دونالد ترمب على فرض إجراءات صارمة لمكافحة الجائحة، بينما انقلب الليبراليون ضد إجراءات الإغلاق، أو عالم يفوز فيه ترمب بإعادة انتخابه ويزداد التردد إزاء «لقاح ترمب» داخل تيار اليسار.
ومع ذلك، تبقى هذه مواقف سياسية بحتة، بينما ما يثيره هايز في جوهره موقف طبي: ما مدى انفصال استجابتنا لفيروس «كوفيد - 19» التي تتسم بقدر كبير من الاستقطاب عن طبيعة المرض نفسه؟ في الواقع، لهايز كل الحق في طرح هذه الفكرة.
جدير بالذكر هنا أنه عند بداية وقوع الجائحة، روج المشككون في جدوى تنظيم استجابة كاسحة وشاملة، لفكرة أن السلطات المعنية بالصحة العامة تبالغ في تقييم مخاطر المرض، وأبدى الكثير من المحافظين حماسهم تجاه تصديقهم.
من ناحيته، توقع ريتشارد إبستين، الباحث لدى «معهد هوفر»، أن «كوفيد - 19» سيحصد أرواح 5 آلاف شخص فقط داخل الولايات المتحدة. أما عالم الأوبئة في جامعة ستانفورد، جون إيوانيديس، فقد توقع بأن 10 آلاف وفاة يمكن أن تشكل توقعاً معقولاً، الأمر الذي حال غياب التغطية الإعلامية الهستيرية، لن يبدو مختلفاً عن الحال في أي عام يشهد موسم شرس للإنفلونزا. وعلى امتداد الشهور اللاحقة، تحدث المشككون عن وضع تؤدي في إطاره الاختبارات إلى اكتشاف المزيد من حالات الإصابة، لكن ما زالت الوفيات منخفضة نسبياً. وفي يونيو (حزيران) 2020 قلل مايك بنس من احتمالية حدوث موجة ثانية.
اليوم، من الواضح أن سلطات الصحة العامة أخطأت في كل شيء، وأن العديد من القرارات الرديئة، خاصة فيما يخص إغلاق المدارس، جرى اتخاذها في مناخ ساده الذعر. ومع ذلك، فيما يتعلق بالسؤال الأساسي حول مدى خطورة المرض، كانت السلطات أكثر صواباً عن منتقديها الذين أظهروا قدراً أكبر من التفاؤل. وحتى في ظل توافر اللقاحات التي جرى تطويرها بسرعة، جرى الإبلاغ عن 670 ألف حالة وفاة بسبب فيروس «كورونا»، ولا تزال الأعداد في ارتفاع. وبالتأكيد تأتي هذه الأرقام أقل عما توقعته بعض أسوأ التوقعات المرتبطة بالسيناريوهات الأسوأ، لكن تبقى الحقيقة أن عدد الوفيات أكثر عن 50 ضعفا مقارنة بالتوقعات المبكرة التي أطلقها أشخاص ظنوا أن السلطات سقطت في حالة من الذعر سريعاً.
ومن هذه الزاوية، يبدو أننا قمنا بتفعيل نسخة من الواقع المضاد على غرار ما طرحه هايز، ذلك أن «كوفيد - 19» جاء بالفعل أشد فتكاً عما كان يأمله أو يتوقعه الكثيرون من تيار اليمين. ورغم ذلك، لم تتزحزح حالة الانقسام الحزبي التي تبلورت الربيع الماضي، ذلك أن الجمهوريين لا يزالون يتخذون الجانب التحرري في أي نقاش يتعلق بالجائحة، بإجراءات الإغلاق وفرض ارتداء أقنعة حماية الوجه، والآن فرض الحصول على اللقاح.
ومع ذلك، فإنني على غير ثقة بأن هايز محق في ادعائه بأن «كوفيد - 19» الأشد فتكاً بمقدار 10 أضعاف كان سيواجه استجابة متطابقة للاستجابة الحالية من جميع الجوانب. الحقيقة أنه رغم خطورة فيروس «كورونا» المستجد، تظل الحقيقة أن أغلب من يصابون به حتى اليوم يتعافون ويصبحون على ما يرام، علاوة على أن الأطفال على وجه الخصوص من غير المحتمل أن يجري احتجازهم في المستشفيات أو يتوفون جراء الإصابة به. والواضح أن الوفيات تتركز في أوساط فئة معينة من السكان، هم كبار السن داخل دور الرعاية، والذين يبدو أننا قد أغفلناهم وأسقطناهم من تفكيرنا بالفعل (الأمر الذي ينبغي لنا الشعور بالعار إزاءه).
ورغم أن استمرار «كوفيد - 19» معنا على المدى الطويل يخلق مشكلة حقيقية، تبدو أميركا بارعة في مسألة تجاهل أوبئة الأمراض المزمنة. ورغم أن هناك ميلا ملحوظا لوقوع وفيات في صفوف مذيعي البرامج الحوارية ذات الطابع اليميني في الإذاعة، فإنه عند النظر إلى الصورة العامة للمشاهير نجد أن الوفيات تقع في أوساط شخصيات أقل شهرة، وتستحوذ على اهتمام أقل عما كان عليه الحال عندما أعلنت إصابة توم هانكس أو ترمب نفسه.
وبقدر ما هو مروع أن يتوفى واحد من بين كل 500 أميركي بسبب «كوفيد - 19»، فإنه لا يزال من الأسهل بكثير أن تجتاز الوباء من دون أن يموت صديق مقرب أو أحد أفراد الأسرة بسببه، مثلما الحال معي على سبيل المثال، عما لو كان معدل الوفيات 50 من بين كل 500 أميركي.
وفي اعتقادي، لو كانت أرقام الوفيات أقل بعشر مرات، لأصبح هناك الكثير من الجدل الليبرالي حول الحكمة من الاستجابة المبكرة الكاسحة. ولو كانت أعلى بعشرة أضعاف، أعتقد أن الدولة ربما كانت لتظهر المزيد من الدعم لفرض قيود تتعلق بالصحة العامة. إلا أن هذا لا يعني أن البلاد كانت ستنعم بوحدة صف أكبر في عالم به كوفيد أسوأ بعشر مرات. بدلاً عن ذلك، سيكون هناك المزيد من الانقسامات بين الولايات، والمزيد من الحكام الذين يحاولون إغلاق الحدود وتقييد السفر، والمزيد من القتال الشرس بين الولايات على الموارد الطبية، والمزيد من الحروب الثقافية المسعورة حول ماهية الأدوية التي تجب تجربتها، بجانب حالة الذعر التام والانهيار في المدارس.
ونظراً لأن الشيء الوحيد الذي لا يبدو أننا نقوم به حتى الآن هو الاستعداد للجائحة القادمة فإن خوفي يتركز حول أنه خلال العشرين عاماً القادمة سنواجه عدواً غير مرئي يضع الواقع المضاد الذي طرحه على المحك.
*خدمة «نيويورك تايمز»