سيرغي شميمانامي
TT

في ذكرى هجمات 11 سبتمبر

بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) بوقت قصير، طلبت معلمة لغة إنجليزية بولاية واشنطن من تلاميذها في الصفين الثامن والتاسع كتابة قصائد مستمدة من المقالة الرئيسية في صحيفة «التايمز». المعلمة، تامي غروب، قالت إن نيتها هي منح الطلاب طريقة للإعراب عن مشاعرهم. ونُشرت القصائد في ردهة المدرسة، وبعد ذلك، بما أن اسمي كان موجوداً في المقالة، أرسلت السيدة غروب القصائد إليّ.
مع اقتراب الذكرى العشرين للهجمات، استخرجت المجلد السميك مع القصائد. وكانت الصيغة «الشعر الموجود»، ما يعني بالأساس إعادة ترتيب العبارات من نص آخر، وكانت الكلمات مألوفة على نحو مؤلم: «عاصفة الرماد الجهنمية»، الطائرات «المحملة بالوقود»، الضحايا قفزوا من الجحيم، حديث الحرب، فجاجة اللحظة، مع إعلان الرئيس جورج دبليو بوش: «كانت أعمال القتل الجماعية تهدف إلى إرهاب أمتنا ودفعها إلى الفوضى والتراجع. ولكنهم فشلوا».
لكن القصائد اختلفت كثيراً. إذ ركز البعض على المرئيات - «جثث البرجين التوأمين» وبعضها تناول المشاعر - «أنا مجنون»، «أنا مكروه»، «أنا غاضب»، والبعض تحدث عن الرعب - أشخاص «بيض بالسخام الأسود» و«أحمر بالدم القاني». والبعض دار حول رد الفعل النبيل: «نتحد لنكون أقوى، نقدم لنيويورك دماءنا وأموالنا». وتساءل الكثيرون: «لماذا؟»، وصلى البعض طلباً للمساعدة، «يا الله، ساعدنا في عبور ذلك».
وسوف نشهد كثيراً من مثل هذه الذكريات في الذكرى السنوية، وقد يصاحبها قدر كبير من الحنين إلى تلك الفترة الوجيزة عندما يتحد الأميركيون، وربما للمرة الأخيرة التي يستطيع أي شخص أن يتذكرها. في دولة تخيم عليها الآن خلافات مريرة حول العرق، والسياسة، والهجرة، والهوية، والوباء، يبدو يوم 11 سبتمبر لحظة اتحد فيها الأميركيون للتعهد بمضاعفة التزامهم بالديمقراطية والحرية العالمية، وبالذي وصفه الرئيس بوش بأنه «الدور الفريد في الأحداث الإنسانية».
إلا أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر تعد أيضاً اختصاراً لتلك اللحظة التي فقدت فيها أميركا الطريق، خصوصاً مع الحرب في أفغانستان، بعد أن وصلت إلى نهاية مأساوية سخيفة، وبلا معنى. كثير من مقالات الذكريات السنوية تدور حول إرث الحروب المضللة في الشرق الأوسط، وإخفاقات السياسة الخارجية، والإسلاموفوبيا، والارتباك بشأن دور الولايات المتحدة في العالم.
لذا عدت إلى السيدة غروب، التي تقترب الآن من سن التقاعد، لمساعدتي في العثور على بعض من طلابها السابقين في ويناتشي، وهي مدينة صغيرة على نهر كولومبيا تطلق على نفسها اسم «عاصمة التفاح في العالم». أردت أن أسجل إحساسهم بالعالم الذي تشكل بعد الصدمة التي عاينوها عندما كانوا في الرابعة عشرة من أعمارهم.
كلهم يبلغون 34 سنة الآن، وأولئك الذين تحدثت إليهم يتذكرون بوضوح - مثل كثير من الأميركيين - بالضبط حيث كانوا في ذلك الصباح المشمس من سبتمبر في عام 2001، عندما علموا أن الطائرات قد قطعت طريقها إلى أبراج مركز التجارة العالمي وإلى البنتاغون، وأن الطائرة الرابعة قد سقطت في حقل ببنسلفانيا، ومن الواضح أن الركاب الشجعان نجحوا في تحويل الطائرة عن مواصلة هدفها صوب العاصمة.
استيقظت ساشا سليمان مبكراً ذلك اليوم بسبب كثير من الضجيج الصادر من غرفة والديها. دخلت وشاهدت على التلفاز ناطحة سحاب تحترق. وعرفتها على الفور، لأنهم كانوا قد زاروا مركز التجارة العالمي قبل ستة أشهر، وبينما كانت تتابع التلفاز شاهدت طائرة تخترق البرج الآخر. وتساءلت عما إذا كانت هناك فتيات مثلها يزرنها، كما زارتها. «الصرخة كانت مروعة، وكان الناس يقفزون من البرج»، كما كتبت في قصيدتها المدرسية.
تتذكر السيدة سليمان، والدها لبناني، وهي عضو في مجلس مدينة إيست ويناتشي، كيف بدأت تشعر بالاختلاف بسبب ردود الفعل العنيفة المعادية للعرب، وكيف أن أسرتها تعرضت لإجراءات أمنية إضافية في المطار. وعندما ترشحت للمنصب، سألها شخص بسخرية فجة ما إذا كانت تنوي تطبيق الشريعة، أم لا.
التفسير الصادر عن الحكومة الفيدرالية حول أحداث 11 سبتمبر (أيلول) كان أن الولايات المتحدة لم تُهاجم لأي شيء قامت به، بل بسبب ما كانت عليه.
أعلن السيد بوش في مساء 11 سبتمبر (أيلول) أن «الولايات المتحدة كانت مستهدفة للهجوم، وعلى هذا، فقد شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي «عملية الحرية الدائمة» في أفغانستان، بدعوى حرمان تنظيم «القاعدة» من منطلق آمن للعمليات، ثم قامت بغزو العراق لأن صدام حسين كان مسلحاً بأسلحة الدمار الشامل كما زعم البعض. ولقد تطورت ونمت المهمتان مع مرور الوقت، واضطلعتا بمهمة أخرى هي بناء الديمقراطية ونشر الحرية.
ولا حاجة هنا إلى توضيح أوجه الفشل في هذه العمليات، التي يعاد النظر فيها بالتفصيل هذه الأيام إلى جانب المشاهد اليائسة من أفغانستان، أو عن العار الدائم الذي لحق بسجن أبو غريب أو معتقل غوانتانامو أو برنامج التسليم المرتبط بالتعذيب أو عمليات القتل المستهدف بالطائرات المسيرة. لقد كان مقتل أسامة بن لادن ذاته في غارة بباكستان عام 2011 بمثابة حاشية هامشية في مسار «الحرب ضد الإرهاب» التي أثارها أول الأمر.

- خدمة «نيويورك تايمز»