د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وتسعون عاماً على غياب المختار

شيخ المجاهدين عمر المختار، نفتقده اليوم في ليبيا بعد أن تشتت شمل أبنائها بين الأمم، في صراعات بالوكالة، ففي سبتمبر (أيلول) الحالي تمرُّ الذكرى التسعون على استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار، أسد الصحراء، الفارس الذي رفض الترجل عن فرسه وتركِ بلاده للمستعمر وهو شيخ كبير، بل كان يقول «إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك، فنحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت».
عُمر المختار، ابن الجبل الأخضر، تحوّل من مُعلم للقرآن إلى مُجاهد، وهو الذي أجبر الإيطاليين على التفاوض معه في مفاوضات سيدي رحومه، ولُقب بـ«شيخ المجاهدين»، وأسد الصحراء، وشيخ الشهداء، ووصفه الكاتب الإيطالي كانيفار بالقول: «وصل عُمر المُختار مكان الاجتماع محاطاً بفرسانه، كما يصل المُنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المغلوب»، إلا أنه سرعان ما اكتشف أنها مفاوضات للمماطلة وشراء الوقت وليس لإنهاء الحرب، فقد كان الحكم الفاشي الإيطالي يعتبر ليبيا الشاطئ الرابع (La Quarta Sponda)، المصطلح الذي أطلقه الزعيم الفاشي موسوليني، مما جعل الحرب الإيطالية على ليبيا حرباً استيطانية وانتزاع أرض واستبدال شعب محل شعب آخر.
حارب عُمر المُختار الطليان الغزاة لأكثر من عقدين من الزمن. وتمر اليوم ذكرى استشهاده التسعون وبلاده ليبيا محتلة بقوات أجنبية ومرتزقة متعددة الجنسيات، وجماعات إرهابية عابرة للحدود، في ظل حكومات متعاقبة ضعيفة وفاشلة، بل ويتهم بعضها بالعمالة والرضوخ للأجنبي.
خاض المختار معارك شرف ضد القوات الإيطالية الغازية، ففي معركة بئر الغبي تكبد الإيطاليون خسائر جسيمة، رغم أن عمر المختار ورجاله لم يتجاوزا الخمسين رجلاً كانوا عائدين من مصر وكانوا صائمين في رمضان، فانقضت عليهم سبع مُصفحات إيطالية، إلا أن بسالة رجال المختار استطاعت التكتيك لتتمكن من حرق المصفحات السبع، وتكررت الهزيمة الإيطالية في معركة الرحيبة؛ إذ هاجمت فيه القوات الإيطالية تجمعات المجاهدين، إلا أن الهزيمة كانت من نصيب القوات الغازية، مما جعل روما تغضب من الهزيمة الكبيرة التي طالت قواتها المسلحة بعتاد حديث وكبير، يفوق عتاد المختار ورجاله عشرات المرات.
في 11 سبتمبر 1931، تمكنت القوات الإيطالية من اعتقال عمر المختار، بينما كان في منطقة سلنطة في الجبل الأخضر، ونقل جريحاً إلى بنغازي، وعقدت له محاكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشي في بنغازي، وفي صباح 16 سبتمبر من عام 1931 في بلدة سلوق، تم إعدام شيخ الشهداء بحضور الآلاف من الأهالي المعتقلين في معتقل سلوق الذين أجبروا على حضور إعدامه لكسر معنويات المقاومة.
لقد حوكم المختار محاكمة صورية ظالمة، من قبل السفاح الإيطالي غراتسياني ماركيز نيغيلي، لكن المختار نطق أمام هذه المحكمة قائلاً بكل ثبات «نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطالية، لم أستسلم قط، لم تخطر ببالي قط فكرة الهرب عبر الحدود، منذ عشر سنوات تقريباً وأنا رئيس المجاهدين»، وقد سبق لردولفو غراتسياني أن أعلن عن جائزة قدرها 200.000 فرنك لقاء جلب المختار، سواءً حياً أو ميتاً. وكان المختار حارب الاستعمار الإيطالي قبل حتى ظهور الفاشية في إيطاليا، وذلك بعد أن تخلت الدولة العثمانية عن ليبيا وتركتها للمستعمر الإيطالي.
فقد صدق المختار حين قال للمستعمر وعملائه: «يستطيعُ المدفع إسكات صوتي... ولكنه لا يستطيع إلغاء حقي، وأنا على يقين أن حياتي ستكون أطول من حياة شانقي، وسوف تأتي أجيال من بعدي تقاتلكم».