قبل شهر، كنت أعتقد أنني أبالغ في شكوكي إزاء حربنا التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان. اليوم، وبعد مشاهدة انسحابنا المتعثر والانهيار السريع لكل شيء قاتلنا من أجله، يتملكني شعور بأنني لم أكن متشككاً بما يكفي.
واعتمدت شكوكي على الاعتقاد بأن الجهود الأميركية للتوصل إلى تسوية سياسية أفغانية مقبولة فشلت فشلاً ذريعاً خلال فترة رئاسة باراك أوباما الأولى في منصبه، عندما نجح قرار زيادة أعداد القوات الأميركية في أفغانستان في إبطاء تعافي جماعة طالبان، لكنه لم يفلح في إيقافه. وجرى في وقت لاحق دفن هذا الفشل في ظل عاصفة من الخداع الرسمي والأكاذيب البيروقراطية على غرار ما حدث مع الحرب في فيتنام، الأمر الذي غطى على تحول في الأولويات الأميركية من السعي لتحقيق النصر إلى إدارة مأزق قائم، مع تحصين الجنود الأميركيين قدر الإمكان على أمل التمكن من الاستمرار في هذا الوضع لأجل غير مسمى.
وفي ظل مثل هذه الرؤية الإستراتيجية - وأنا أستخدم كلمة «إستراتيجي» هنا بكرم بالغ - لا توجد في الأفق إمكانية واضحة للانتصار، ولا نهاية واضحة للفساد في صفوف حلفائنا ولا الأضرار الجانبية التي تسببها ضرباتنا الجوية، علاوة على عدم وجود سبب واضح لوجودنا في أفغانستان، مقارنة بأية دولة فاشلة أخرى أو ملاذ إرهاب محتمل، باستثناء التكلفة الفادحة التي تكبدناها بالفعل.
ومع ذلك، فإنه إذا ظلت معدلات الخسائر الأميركية منخفضة بما فيه الكفاية، سيتقبلها الرأي العام، وستتحمل ميزانية البنتاغون تكاليفها، ولن يضطر أحد إلى مواجهة أمر مهين مثل الهزيمة.
من جانبي وبطريقة ما، ذهبت شكوكي بعيداً، فقد توقعت أن الجيش وبيروقراطية الأمن الوطني سيكونان قادرين على إحباط رغبة كل رئيس أميركي قادم في إعلان نهاية صراع لا نهاية له، لكني كنت مخطئاً في ذلك. وقد حدث بالفعل شيء من هذا القبيل مع كل من الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب في سنواتهما الأولى في الرئاسة، لكنه لم يحدث مع الرئيس جو بايدن.
لقد بايدن وعد بالانسحاب - والآن انسحبنا بالفعل.
إلا أن هذا الانسحاب تسبب في خلق حالة من التشاؤم الشديد حول قدرات الولايات المتحدة كقوة عظمى، ومهمتنا في أفغانستان وطبقة الجنرالات والمسؤولين والخبراء والسياسيين الذين أبقوا على هذه الحرب على امتداد عقدين.
وأظهر الطابع المخزي للانسحاب انعدام الكفاءة في مغادرة بلد على نحو كافئ انعدام قدرتنا على تهدئة الأوضاع بداخله. كانت هناك جوانب من الفوضى ربما كانت حتمية، لكن من الواضح أن البيت الأبيض تحت قيادة بايدن قد ارتبك بسرعة تقدم طالبان، مع اختفاء الموظفين الرئيسيين في إجازة قبل حل حكومة كابل مباشرة. وبدا الرئيس نفسه مرهقاً وأكبر سناًـ وأطلق وعوداً بإعادة كل أميركي بأمان إلى وطنه، ثم رأى الجميع كيف تغلبت الأحداث.
في الوقت نفسه، جاءت الظروف التي جرى فيها انسحاب بايدن بمثابة إدانة قوية للسياسات التي اتبعها أسلافه الثلاثة، والتي كلفت مجتمعة ما يقرب من 2،000،000،000،000 دولار (في الواقع، الأمر يستحق كتابة كل هذه الأصفار) ولم تفلح في بناء أي شيء في المجالات السياسية أو العسكرية قادر على الصمود والاستمرار ولو لموسم واحد من دون مزيد من الأموال الأميركية والإشراف العسكري الأميركي.
حتى وقت قريب، بدا الرأي القائل بأنه من دون القوات الأميركية، فإن الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في كابل سيكون مصيرها نفس مصير الحكومة المدعومة من الاتحاد السوفياتي قبل حوالي 30 عاماً، مفرطاً في الواقعية. الآن، ثبت أن هذه «الواقعية» في واقع الامر مفرطة في التفاؤل. الحقيقة أنه من دون القوات السوفياتية، صمدت الحكومة المدعومة من موسكو لعدة سنوات قبل وصول المجاهدين إلى كابل، في حين أن مبلغ 2،000،000،000،000 دولار أسس نظاماً سقط في أيدي طالبان قبل أن تتمكن القوات الأميركية حتى من إنهاء انسحابها.
قبل هذا الصيف، كان من الممكن أن نقرأ كل التقارير الكئيبة الصادرة عن المفتش العام والوثائق الأخرى حول أفغانستان، ومع ذلك نستمر في تخيل أن الولايات المتحدة حصلت على شيء ما مقابل كل ما أنفقته.
أما اليوم، فإننا أصبحنا مدركين أن كل جهودنا في مجال بناء الدولة في أفغانستان لم تكافئ حتى ما نجح الاتحاد السوفياتي في إنجازه تكلفة زهيدة للغاية مقارنة بالإنفاق الأميركي.
ومع ذلك، فإن إدراكنا لهذه الحقيقة اليوم لم يمنع إحياء الروح التي قادتنا إلى هذه النهاية المؤسفة. ولا أقصد هنا الانتقادات الصريحة لأسلوب تعامل إدارة بايدن مع الانسحاب، وإنما أعني الطريقة التي جرى بها مزج الانتقادات المنطقية مع الحجج المناهضة للانسحاب المخادعة أو المريبة أو المثيرة للسخرية.
على سبيل المثال، هناك الحجة القائلة بأن الوضع في أفغانستان كان مستقراً بشكل معقول وأن عدد القتلى في الحرب كان هيناً قبل أن تبدأ إدارة ترمب في التحرك نحو الانسحاب. في الواقع، كانت الخسائر الأميركية وحدها هي المنخفضة، بينما كانت الخسائر العسكرية والمدنية الأفغانية تقترب من 15.000 سنوياً، في وقت بدا واضحاً أن طالبان تكسب الأرض.
وهناك كذلك الحجة القائلة بأن الاحتلال إلى أجل غير مسمى كان ضرورياً من الناحية الأخلاقية لرعاية براعم الليبرالية الأفغانية. وإذا كان البديل الثيوقراطي لليبرالية، بعد 20 عاماً من الجهد و2،000،000،000،000 دولار، قد استولى فعلياً على البلد بسرعة أكبر مما كان عليه في المرة الأولى، فهذه علامة على أن إنجازاتنا الأخلاقية تضاءلت أمام تكاليف الفساد وغياب الكفاءة وما سببته هجمات الطائرات من دون طيار من أضرار.
وهناك الحجة القائلة بأن المهمة الدائمة في أفغانستان يمكن أن تشبه إلى حد ما وجودنا الطويل الأمد في ألمانيا أو كوريا الجنوبية ـ وهو تشبيه تاريخي وهمي يبدو اليوم بعد انهيار حكومة كابل شديد السذاجة.
ترتبط كل هذه الحجج بمجموعة من الحالات المزاجية التي ازدهرت بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وتشكل مزيجاً من الأخبار التي شجعت على الثقة المفرطة بالقدرات العسكرية الأميركية، والحنين الساذج إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، والنزعة الإنسانية بتنويعاتها الليبرالية والمحافظة الجديدة.
مرة أخرى، أؤكد أن بايدن يستحق الكثير من الانتقادات، لكن مثلما كان الحال مع إدارة ترمب في لحظاتها الحكيمة، تظل الحقيقة أنه يحاول فصل واشنطن عن مجموعة من السياسات الفاشلة التي أيدها كثير من منتقديه بصوت عالٍ على امتداد فترة طويلة.
في الواقع، يعتبر انسحابنا الفاشل دليلاً على كارثة عامة، وفشل واسع للغاية لدرجة تستدعي تطهير صفوف البنتاغون، وإجبار عدد لا يحصى من المتشددين الصقور على التقاعد وإعادة النظر في العديد من المنظمات غير الحكومية وبرامج الدراسات الدولية وحل عدد لا يحصى من المؤسسات الاستشارية والمقاولات العسكرية؟
لا عجب إذن أن يجعل كل هذا بايدن كبش الفداء الوحيد المتاح.
7:20 دقيقة
TT
منتقدو جو بايدن خسروا أفغانستان
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة