د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

«النهضة» وفضيحة عقود الضغط الأجنبية

كُشف عن فضيحة «النهضة» في التعاقد مع شركات ضغط أجنبية في محاولة لإنقاذ ما تبقى من ركامها وإسعافها بعد محاولات الإنعاش التي مارستها عبر ضغوط داخلية وخارجية... فقد انكشفت فضيحة «النهضة» بإبرامها عقداً مع شركة ضغط «لوبيينغ» في الولايات المتحدة للضغط على الرئيس قيس سعيد، كما جاء لدى وزارة العدل الأميركية التي تلزم شركات الضغط بالتصريح عن العقود المبرمة.
«النهضة» حاولت من خلال التعاقد مع شركة الضغط، الوصول إلى فاعلين مهمين بالولايات المتحدة، وتوجيه الإعلام للبكاء والتباكي لصالح «مظلومية النهضة»؛ وهو المشهد السخيف والمكرر في كل حالة فشل وسقوط إخواني متوقع.
فضيحة «النهضة» جاءت بتوقيع عقد مع شركة ضغط كتب في إحدى صفحاته: «المستفيد من الخدمات هو (حزب النهضة) ومقره تونس»، وكان توقيع العقد بعد أربعة أيام فقط من قرارات الرئيس سعيد، وبعد إدراك زعيم «النهضة» الغنوشي أنه لا شعبية له يعوّل عليها للخروج إلى الميادين، بعد فشل الحشد الأول الذي أطلقه وطالب فيه بالاعتصام حول البرلمان واقتحامه، لتمكينه من عقد جلسات.
فضيحة التعاقد مع «لوبيينغ» رغم محاولات نفي «النهضة»، تطرح سؤالاً مباحاً عن علاقتها بنشر مقال بكائي دعائي بقلم الغنوشي في صحيفة «نيويورك تايمز» بعد تجميد البرلمان التونسي بقرار دستوري، كما أن «النهضة»؛ التي تواجه اتهامات حول تمويلات أجنبية خلال الحملات الانتخابية لعام 2019، سيتفاقم وضعها المنهار بعد فضيحة التعاقد مع شركات ضغط أجنبية.
محاولات تحسين صورة «النهضة»، من خلال عقود الدعاية والضغط، ترجع بالذاكرة لفترة حكومة «الإخوان» الانقلابية في ليبيا عام 2014؛ حكومة «الإنقاذ»، عندما وقعت عقوداً للضغط والدعاية مع شركات أميركية بقيمة 17 مليون دولار، لتلميع صورتها أمام العالم، مما يؤكد أن تنظيم جماعة «الإخوان» يتبع الأدوات نفسها عندما يغرق في مستنقع فساده وجرائمه.
فشل «النهضة» في التحشيد الشعبي هو ما دفع بها إلى الزعم بـ«التهدئة والحوار» مع الرئيس الذي حاول الغنوشي عن طريق مجلس النواب الذي يرأسه في أكثر من مرة سلب صلاحياته بابتداع «دبلوماسية موازية» ما عرفت تونس ولا دستورها لها وجوداً.
فشل التحشيد هو ما دفع بإعلام حركة «النهضة» للتعاقد مع شركات خارجية، للاستقواء بها وبقدرة تأثيرها في الرأي العام العالمي، إذ حاولت الحركة تصوير قرارات الرئيس سعيد على أنها انقلاب على الديمقراطية والدستور، وتناست أن قرارات الرئيس التونسي إنْ هي إلا تطبيق حرفي للمادة «80» من نص الدستور الذي شاركت «النهضة» في كتابته.
الآن تقف «النهضة» في عزلة، بعد أن بات واضحاً أن هذه الحركة لا بواكي لها حتى وسط من كانت تظن أنهم أنصارها، الذين عجزوا عن حشد العشرات للتظاهر واستنساخ مشهدية «رابعة» المصرية، بعد أن طالبهم الغنوشي وباقي القيادات بالتظاهر، بل إن أحدهم طالب أنصار «النهضة» بالنزول بالرصاص، ولكن كانت جميعها دعوات لا مجيب لها.
إن محاولات جماعة «الإخوان» نشر أكذوبة المظلومية التي استطاعت بها خداع الشعوب، باتت اليوم مفضوحة وغير مقنعة لكثيرين؛ بل باتت محل سخرية، خصوصاً بعد انحسار دور التنظيم العالمي لـ«الإخوان» حول العالم، بل أصبح مصدر إزعاج دولي حتى لمن صنعه واستخدمه في الماضي.
الأزمات المتلاحقة كانت ولا تزال تحاصر الغنوشي وحركته بعد العزلة السياسية والشعبية، بل والمطالبات الشعبية بالملاحقة القضائية لقيادات من «النهضة» متهمة بالفساد.
أكذوبة «التهدئة» فضحها مستشار الغنوشي بالقول: «تهدئة (النهضة) ليست نهائية، وما زالت تراقب تطور الأوضاع لتشكيل موقفها النهائي... ويمكن أن تدعو إلى مسيرات كبرى»، مما يعكس حالة التخبط والانهيار لدى الحركة، ووهم قادتها في محاولة استنساخ مشهد «رابعة»، مما يؤكد أن «النهضة» لا تعيش الواقعية السياسية لتعلم أنها سقطت نهائياً ولن تعود حتى لو زمّرت وطبلت لها كبرى شركات الضغط في العالم.