جستن فوكس
TT

هل تفاقمت التفاوتات خلال فترة الجائحة؟

ثمة اعتقاد سائد على نطاق واسع بأن جائحة فيروس «كوفيد - 19» وردود أفعال الحكومات والشركات تجاهها زادت من وتيرة توجه كان قائماً بالفعل، وهو تفاقم التفاوتات الاقتصادية هنا بين أبناء الولايات المتحدة. ويسود هذا الاعتقاد في تياري اليسار واليمين السياسيين، ما يعتبر استثناءً يبعث على الشعور بالارتياح لحالة الاستقطاب السياسي الشديدة المميزة لعصرنا.
ويعتمد هذا الاعتقاد على عدد من الأدلة الواقعية، منها أنه بفضل الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأسهم وأصول أخرى في أعقاب الصدمة الأولية للجائحة، زادت ثروات المليارديرات الأميركيين بمقدار عدة مليارات أخرى، في الوقت الذي زادت ثروات ملاك المنازل الميسورين بمقدار مئات الآلاف من الدولارات.
بجانب ذلك، زادت مخاطر الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» وفقدان الوظائف أمام من يتعذر عليهم العمل من المنزل، بينما يميل الذين يستطيعون العمل من المنزل إلى امتلاك درجات علمية أعلى ويتقاضون أموالاً أكثر عن أولئك الذين يتعذر عليهم العمل من المنزل. كما أن الأطفال الأفقر جابهوا صعوبة أكبر بكثير للتكيف مع التعليم عن بُعد مقارنة بأقرانهم الأكثر ثراءً، وما إلى غير ذلك من الأمثلة.
وعليه، فإنه من المحتمل أنه بعد أن تهدأ الأجواء وتصبح جميع البيانات متاحة، سنخلص إلى أن التفاوتات الاقتصادية تفاقمت بالفعل خلال فترة الجائحة ـ إلا أنني لست على ثقة بهذا الأمر.
في الواقع الأوبئة واحدة من «الفرسان الأربعة» القادرين على إنجاز المساواة الاقتصادية، حسبما وصفها المؤرخ والتر شيديل في كتابه المشهور الصادر عام 2017، «قوة المساواة العظيمة: العنف وتاريخ اللامساواة من العصر الحجري إلى القرن الحادي والعشرين» (الثلاثة الآخرون هم الحرب والثورة وانهيار الدولة).
الحقيقة أنه كان في ذهن شيديل عدد من الأمراض الأشد فتكاً عما كشف «كوفيد - 19» اليوم. ومع ذلك، اعتباراً من يناير (كانون الثاني) توصل الاقتصادي الحائز جائزة نوبل أنغوس ديتون أن التفاوتات الاقتصادية بين البلدان تراجعت أثناء الوباء، وإن كان هذا القول لا ينطبق على مستوى السكان. ويرجع ذلك لأن اقتصاد دولة مثل الهند، أكبر دولة في النصف السفلي من هرم توزيع الدخل في العالم (إنها دولة «ذات دخل متوسط أدنى»، وفقاً للبنك الدولي)، عانى بشدة حتى قبل صعود المتحور «دلتا» هذا العام.
داخل الولايات المتحدة، جرت مواجهة القوى الحقيقية التي تدفع نحو المزيد من التفاوتات من خلال تدفق غير مسبوق من المساعدات الحكومية، في حين يبدو أن الاتجاهات التي تعزز الأجور في الجزء الأسفل من التوزيع والتي كانت واضحة قبل الوباء تتسارع الآن. واللافت أن الأرقام المتاحة حتى الآن، رغم كونها أولية وفي بعض الحالات متناقضة بعض الشيء، لا تعكس حدوث تفاقم في التفاوتات الاقتصادية.
ولعل أبسط هذه الأرقام، من الحسابات المالية التوزيعية التي بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي إصدارها على نحو ربع سنوي عام 2019، تمثل حصة الثروة لأدنى 50 في المائة من توزيع الثروة. ووصلت نسبة هذا المقياس لأدنى مستوياته في الربع الثاني من عام 2011 عند مستوى 0.4 في المائة بالكاد من ثروة الأسرة الأميركية، وظل الرقم يرتفع في معظم الفترات الربع سنوية منذ ذلك الحين، ليصل إلى 2 في المائة في الربع الأول من هذا العام للمرة الأولى منذ ما قبل بدء الركود العظيم في ديسمبر (كانون الأول) 2007.
إلا أن هذا المقياس، الذي كتبت عنه من قبل، لا يخلو من نقاط القصور. من جانبه، يقدر الاحتياطي الفيدرالي الثروة من خلال الجمع بين البيانات على مستوى الأسرة حول الأصول والخصوم من المسح الذي يجري كل ثلاث سنوات لتمويل المستهلك، وكانت آخر مرة أجري فيها هذا المسح عام 2019، إضافة للأرقام الإجمالية من الحسابات المالية ربع السنوية للولايات المتحدة، ويجمع النصف السفلي من توزيع الثروة بالكامل معاً، وذلك لعدم توافر معلومات كافية لديه تتيح له فعل خلاف ذلك. ويبدو البنك قادراً على تقسيم الشرائح بشكل أكثر دقة في النصف العلوي، حيث زادت ثروة أعلى 1 في المائة منذ نهاية عام 2019 بينما تراجعت ثروة الموجودين فيما بين الـ1 في المائة من جهة والـ50 في المائة الأدنى من ناحية أخرى.
وعليه، يبدو ظاهرياً بالفعل أن التفاوت على مستوى الثروات زاد خلال فترة الجائحة داخل النصف الأعلى، بجانب أن غالبية مكاسب أصحاب النصف الأدنى جاءت ممن يأتون في مرتبة أعلى عنهم مباشرة، وليسوا شديدي الثراء. وتكشف الأرقام إلى أن النصف الأدنى حظي بالفعل بنسبة مئوية أكبر من حيث اكتساب الثروة عن الـ1 في المائة الأعلى ـ تحديداً 30.3 في المائة مقابل 20.7 في المائة منذ نهاية عام 2019 ـ وإن كان نظراً لأنه لم يكن لديها ثروة تذكر من الأساس، فإن هاتين النسبتين ترجمتا على أرض الواقع إلى 609 مليارات دولار فقط في صورة ثروة جديدة مقابل 7.1 تريليون دولار لنسبة الـ1 في المائة.
ومع ذلك، ارتفع إجمالي ثروة الـ50 في المائة الأدنى خلال الربع الأول من هذا العام بمقدار 6.3 في المائة من إجمالي ما كسبته الـ1 في المائة الأعلى، بارتفاع عن 5.8 في المائة نهاية عام 2019، بجانب أن هذه تشكل النسبة الأعلى منذ عام 2007. ومن هذا المنظور، يبدو أن التفاوت بين القمة والقاع، على الأقل، تراجع.
ومع هذا، فإن مثل هذا المنظور ربما لا يكون كافياً لمعظم الأشخاص المهتمين بغياب المساواة، لكن الظروف المحسنة للأقل ثراءً تستحق الاحتفاء على أي حال. جدير بالذكر هنا أن الاحتياطي الفيدرالي ليس وحده من يكشف مؤشرات على حدوث ذلك. على سبيل المثال، قدر باحثون في المعهد الحضري، الشهر الماضي، أنه بفضل المكاسب الوظيفية الكبيرة والفوائد المدرجة في خطة الإنقاذ الأميركية المعتمدة في مارس (آذار) وتشريع سابق للمساعدة في مكافحة الأوبئة، ستنخفض نسبة الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 7.7 في المائة هذا العام، بدلاً عن 13.9 في المائة حسب تقديرات باستخدام المنهجية ذاتها التي جرت 2018. وتستخدم هذه التقديرات ما يسمى مقياس الفقر التكميلي، مقياس مضى عليه عقد من الزمن يحاول دمج جميع الموارد المتاحة للأسر الفقيرة بشكل أفضل.
المؤكد أن قياس الفقر أمر معقد، خاصةً مع مرور الوقت، لكن يبدو أن الاتجاه يسير في الاتجاه الصحيح.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الانخفاض المتوقع في معدلات الفقر عام 2021 مدين بالكثير للمساعدات الفيدرالية، والتي قد يتبين أن بعضها مؤقت. لكن مكاسب الجزء السفلي من توزيع الدخل تأتي أيضاً من القطاع الخاص في شكل أجور أعلى.
في الواقع، من الصعب معرفة ما يجب فعله من بيانات عام 2020، والتي قد تكون مشوهة بسبب معدلات الاستجابة المنخفضة للاستطلاعات الحكومية والخسائر الكبيرة في الوظائف بين العمال ذوي الأجور المنخفضة. ومع ذلك، فإن النمو الكبير في الأجور قبل الوباء وحتى الآن خلال العام الحالي يبدو حقيقياً، وجميع الأدلة الشفهية من داخل سوق العمل تشير إلى استمراره.
* بالاتفاق مع بلومبرغ