د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الساونا والقلب.. مراجعة للنصائح

تحتاج المعلومات الطبية، التي تُبنى عليها النصائح والإرشادات التي تُقدم للمرضى، أن تكون مبنية على أسس علمية سليمة وتجارب ودراسات تؤكدها كحقائق، وهو ما يُعرف بـ«الطب المبني على البراهين». ومرضى القلب، هم أشد احتياجا لمعرفة ما هي الأمور والسلوكيات التي تضر بصحة قلوبهم وتهدد سلامة حياتهم، وما هي الأمور التي لا تأثير لها على ذلك، والأهم ما هي تلك التي تفيدهم. والإشكالية ليست فقط حينما نكتشف أن النصيحة الطبية التقليدية، وبناء على مراجعة نتائج الدراسات الطبية الحديثة، غير صحيحة، بل حينما نكتشف العكس تماماً. وكمثال، ففي أوقات سابقة كان يُنظر إلى تناول مشروب القهوة أو الشاي، كأحد الأمور الضارة بمرضى القلب، ثم تبين خلاف ذلك تماما، وكذا بالنسبة لتناول البيض أو الروبيان وغيرهم.
وضمن عدد 23 فبراير (شباط) من مجلة «جاما للطب الباطني» JAMA Internal Medicine، الصادرة عن الرابطة الأميركية للطب، نشر الباحثون من فنلندا نتائج دراستهم تأثيرات الساونا Sauna على مرضى القلب. وقد يعود اهتمام الفنلنديين إلى أن أصل كلمة ساونا هو من اللغة الفنلندية، بمعنى البيئة الحارة والرطبة. ومعلوم أن حجرات الساونا توفر بيئة حارة ورطبة نسبيا، بغية الاسترخاء. وكانت النصائح الطبية التقليدية في جانب صحة القلب، دائما تنظر بعين الحذر إزاء رغبة بعض مرضى القلب الاستمتاع بها، وثمة بعض أطباء القلب ينصحون بعدم ذلك.
واللافت في نتائج هذه الدراسة الطبية الحديثة هو أن الاستمتاع بالوجود في حجرات الساونا لا يتسبب فقط في ارتفاع الوفيات بسبب أمراض القلب ولا بتدهور الحالة الصحية للقلب، بل إنه عامل يُقلل من احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب، وكلما تكررت زيارة حجرة الساونا خلال الأسبوع الواحد وكلما طالت مدة الوجود فيها، ارتفعت احتمالات الاستفادة القلبية منه. وهو ما علق عليه الدكتور بول تومبسن، مدير قسم طب القلب بمستشفى هارتفورد في ولاية كونيتيكت وعضو المجلس الأميركي لطب القلب الرياضي، بقوله: «هذه النتائج قد تفرض على أطباء القلب أن يُراجعوا تحفظاتهم حول تعريض مرضى القلب للأجواء الحارة والرطبة في حجرات الساونا، وأنا كطبيب كنت دائما أحث مرضى القلب على عدم استخدام الساونا وأثبط رغبتهم فيها وذلك بسبب تحفظات لدي حول تأثير تعرض الجسم للحرارة العالية واحتمالات وضع ذلك أعباء إضافية على القلب والأوعية الدموية وعملها. وبنتائج هذه الدراسة، ربما لم يكن يتعين علينا أن نحظر ونقيد ذلك الاستمتاع بالساونا على مرضانا».
وكان تعليق رابطة القلب الأميركية AHA، على لسان ناطقها الرسمي الدكتور إليوت أنتمان، طبيب القلب في كلية هارفارد للطب، موجها نحو فهم هذه النتائج اللافتة للنظر، وذلك بقوله: «قد يقوم أولئك الأشخاص الذين يستخدمون الساونا، بأمور صحية أخرى في سلوكيات حياتهم اليومية، وهو ما يُبرر انخفاض الانتكاسات الصحية التي قد يتعرض لها مرضى القلب باستخدام الساونا»، في إشارة منه إلى أن مرتادي الساونا بانتظام غالبا ما يكونون أيضا مهتمين بمزاولة التمارين الرياضية وغيرها من الأنشطة التي تتوفر في الأندية الصحية التي توجد حجرات الساونا فيها، أي أن استخدام حجرات الساونا غالباً ما يحصل ضمن ممارسة حزمة من السلوكيات الصحية الرياضية الأخرى المفيدة لصحة القلب.
وقد تابع الباحثون في دراستهم لمدة 20 عاماً أو أكثر 2300 شخص من متوسطي العمر في شرقي فنلندا، ولاحظوا في نتائجهم، أن استخدام حجرات الساونا كان بشكل متكرر يُقلل من خطورة الوفاة بسبب تداعيات ومضاعفات أمراض القلب. وتحديدا فقد انخفض خطر الوفاة القلبية المفاجئة Sudden Cardiac Death بنسبة 22 في المائة لدى حالة من يرتادون الساونا مرتين أو 3 مرات خلال الأسبوع، وبنسبة 63 في المائة لدى حالة من يرتادونها 4 مرات أو أكثر خلال الأسبوع. كما أن خطورة الإصابة بالأمراض الطبية القاتلة Fatal Heart Disease انخفض بنسبة 23 في المائة وبنسبة 48 في المائة لنفس الحالتين السابقتين. وانخفضت خطورة الوفاة بسبب مرض القلب أو السكتة الدماغية Heart Disease / Stroke Death بنسبة 27 في المائة و40 في المائة لنفس الحالتين السابقتين، أي ارتياد حجرة الساونا 3 مرات أو 4 مرات وأكثر خلال الأسبوع.
وأفاد الباحثون أنهم لا يعلمون سبب هذه التأثيرات الإيجابية للساونا على مرضى القلب، أو سبب خطورة حصول تداعيات ومضاعفات أمراض القلب، ولا آليات حصول تلك الفائدة، وهو ما يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة للاستفادة منها. ولكنهم عرضوا عدة محاولات للتفسير، مثل تسبب الوجود في الساونا في رفع نبض القلب ورفع شدة انقباض العضلات ورفع حرارة الجسم وتنشيط إفراز العرق وغيرها من المظاهر الشبيهة بتلك التي تحصل حال ممارسة الجهد الرياضي البدني.
وعلى الرغم من هذه النتائج الإيجابية فإن من الضروري ملاحظة أنها دراسة ملاحظة، وأن أهم ما تفيدنا به هو أنها تعيد طرح التساؤلات الطبية حول استمرار أطباء القلب في نهج الحذر الطبي إزاء رغبة عموم الناس ومرضى القلب في الاستمتاع بالساونا، ولكن في نفس الوقت لا تعطي تأكيدات للنصح بكثرة التردد على الساونا لحالات معينة من مرضى القلب، مثل مرضى فشل القلب أو حديثي الإصابة بنوبة الجلطة القلبية أو مرضى الذبحة الصدرية أو مرضى التضيقات الشديدة في الصمامات أو غيرهم، وهي أمور تحتاج إلى مزيد من البحث.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]