مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إذا كان رب الدار بالدف ضارباً

لا يعرف على وجه اليقين متى دخل أو بدأ تعاطي (القات) في اليمن، غير أنني سمعت تسجيلات لمفتي اليمن السابق الشيخ العمراني، رحمه الله، يقول:
هناك رواية تؤكد أنه دخل في منتصف القرن السابع الهجري، أي قبل 650 سنة، وهذا ما ذكره الشيخ أحمد بن علوان الذي كان يتعاطاه، وذكر أن أول من اكتشفه راعي ماعز، عندما لاحظ أن (التيس) يملأ فمه من ورق الشجرة و(يخزّن)، لهذا قلده وجاراه، وبعد ذلك انتشر مثلما تنتشر النار في الهشيم.
ولكن ما علينا، فقد قرأت أن السلطات الأمنية بمدينة عدن جنوب اليمن، قررت منع دخول القات جميع أيام الأسبوع، ما عدا الخميس والجمعة، في قرار غير مسبوق من نوعه منذ 30 عاماً.
وهذا غير صحيح، فقد سبقهم بذلك الرئيس السابق (علي عبد الله صالح)، الذي سمعته في تسجيل مقابلة له يقول: الحمد لله لم أعد أتعاطى القات طوال أيام الأسبوع، فقد قصرتها فقط على أيام الـ(weekend).
ويُستهلك (القات) يومياً على نطاق واسع، وهو يعد أول وأهم محصول زراعي مربح تجارياً ورائج استهلاكياً نتيجة الأموال الهائلة التي يحركها في الأسواق والتي تصل إلى نحو 10 ملايين دولار يومياً. وفي النهاية تذهب كلها للكب (بالمضغ والبصق) ويتعاطونه كعادة من بعد ظهر كل يوم في جلسات جماعية وفردية، يطلق عليها شعبياً اسم (المقيل).
وحذرت التقارير من أن القات أصبح مشكلة تواجه التنمية الزراعية في البلاد وعائقاً أمام أنشطة ومجالات توفير الأمن الغذائي نتيجة استهلاك المياه الجوفية في زراعته واستنزافها على حساب ري المحاصيل الزراعية الأخرى اللازمة للأمن الغذائي؛ حيث يستأثر القات بنحو 38 في المائة من مياه اليمن الجوفية.
وفي أوائل القرن الماضي، زار اليمن رجل لبناني اسمه (قسطنطين)، وقابل الإمام، وانتقد بشدة تعاطي القات، فردّ عليه الإمام بقصيدة، أقتطع لكم بعض أبياتها:
القات ليس يعاب يا أيها الأصحاب - لأن فيه مزايا لم يحصها إسهاب
فللعيون جلاء للضعف منه ذهاب - وللثغور صباغ زمردي يذاب
أحسن بثغر مليح له المذاب رضاب - ياما أحيلاه ظلما تشفى به الأحباب
وللنفوس مريح وللنشاط انجذاب - ويشحذ الفكر حتى يخاف منه التهاب
ويطرد النوم عمّن له الجليس كتاب - أما الذي قاله قسطنطين فهو سراب
سؤالي هو: هل صحيح ما قاله الشاعر: إذا كان رب الدار بالدف ضارباً - فشيمة أهل الدار كلهم (...)؟!