جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

هل تنجح تونس في عبور الأزمة بسلام؟

الجدل الدائر في تونس - وخارجها أيضاً - حول مدى دستورية ما أقدم عليه الرئيس قيس بن سعيّد من قرارات وإجراءات عرفية مؤخراً لا أعتقد أنه سيصل إلى نهاية قريبة، ومقبولة لأطرافه المتخاصمة، من قانونيين وسياسيين ومثقفين وإعلاميين. القرارات المفاجئة، يوم الأحد الماضي، أسفرت عن إقالة رئيس الحكومة واثنين من وزرائه (الدفاع والعدل)، وتجميد عمل البرلمان، لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن النواب خلال فترة التجميد. المعارضون للرئيس وصفوا الخطوة الأخيرة بالانقلاب، في حين أن الرئيس يرفض التهمة، ويؤكد عدم خرقه للدستور. وفي لقاء جمعه في قصر قرطاج مع ممثلي بعض هيئات المجتمع المدني، وبثته التلفزة التونسية مؤخراً، أعاد التأكيد على مشروعية قراراته، على اعتبار أنه دَرَسَ القانون طالباً ودَرّسَه أستاذاً. وفي تفسيره للنص الدستوري محط الخلاف، يرى الرئيس قيس بن سعيّد أن انعقاد مجلس النواب بصفة دائمة خلال فترة الخطر الداهم، الوارد في المادة الثمانين من الدستور ليس نصاً دستورياً بل إجرائي، واستشهد على ذلك بمثال ساقه للحاضرين، عما يحدث في مجلس جامعة الدول العربية خلال الأزمات، وترديد مقولة إنها تعتبر نفسها في حالة انعقاد دائم.
الاتحاد العام التونسي للشغل والمثقفون التونسيون يؤيدون الرئيس قيس بن سعيّد في خطوته لكن بشروط، أهمها مطالبتهم بضرورة المسارعة بوضع خريطة طريق تعيد العملية السياسية إلى مسارها الديمقراطي، وتحفظ البلاد من مغبة العودة إلى حكم الاستبداد، وبالتالي، إجهاض ثورة الياسمين والعودة بتونس إلى زمن الزعيم الواحد، والحزب الواحد.
المدة التي حددها الرئيس قيس بن سعيد لعودة البرلمان إلى الانعقاد 30 يوماً قابلة للتمديد. وتبع ذلك اتخاذه قرارات بمنع التجول خلال ساعات الليل، ومنع التجمع لأكثر من ثلاثة أشخاص، وعهد للإدارة الطبية العسكرية بالإشراف على حملة التطعيم ضد الوباء الفيروسي.
يرى أكثرية المراقبين للأوضاع التونسية أن سبب الأزمة الحالية يعود إلى الفخاخ العديدة المنتشرة في بنود الدستور الجديد، والتي، في رأيهم، تم نصبها بعناية من قبل واضعي الدستور من الأحزاب التونسية، لضمان تقصيف جناحي الرئيس، بتقليص صلاحياته إلى أبعد الحدود، وتصميم وضعية دستورية تعمل بمثابة درع يختفي وراءها قادة الأحزاب وأتباعهم تفادياً لما قد يصيبهم مستقبلاً من سهام القانون. ولتسهيل الأمر يمكن تشبيه الموقف بما حدث في إيطاليا في فترات تولي زعيم حزب «فورسا إيطاليا» برلسكوني الحكم، حيث عمل طوال فترات وجوده في السلطة، على تشريع قوانين تضمن حمايته من مطاردة القانون فيما بعد. الرئيس التونسي قيس بن سعيّد ذكر ذلك صراحة مؤخراً حين وصف خصومه بأنهم «لصوص يحتمون بالنصوص». ولعل هذا الأمر تحديداً ما دفعه إلى اتخاذ قرار برفع الحصانة البرلمانية عن نواب البرلمان، لأن عديدين منهم متورطون في قضايا فساد، وقفت الحصانة البرلمانية حائلاً بينهم وبين المثول أمام النائب العام. وبرفعها عنهم، ستتاح الفرصة للجهات القضائية التونسية فتح العديد من الملفات المركونة من جديد، واستدعاء أصحابها للتحقيق، وتقديم من يستحق منهم للقضاء ليقتص منهم. الملفات المقصودة لا تقتصر فقط على عمليات فساد، بل تشمل أيضاً ملفات بجرائم اغتيالات سياسية.
الرئيس قيس بن سعيّد اتهم في تصريحاته الأحزاب صراحة باختطاف الدولة، ودواوينها، وبالسعي إلى تمكين مناصريها من المراكز القيادية في مختلف المؤسسات. كما اتهمهم بالتحالف مع عائلات متنفذة ورجال أعمال على نهب المال العام، من دون إبداء اكتراث بما يعانيه الشعب التونسي من ضائقة اقتصادية، وتفاقم في تصاعد نسبة البطالة خاصة بين الشباب. الرئيس سعيّد، رفض في بداية توليه لمنصبه وتشكيل الحكومة مثول عدد من وزرائها أمامه لأداء القسم القانوني، بسبب ما لصق بهم من تهم بالفساد حسب قوله، وأصرّ على موقفه، مما اضطر رئيس الحكومة إلى تكليف أولئك الوزراء بمهام أعمالهم.
هناك انزعاج ملحوظ خارج تونس، خاصة في الدول الغربية من إمكانية انفلات الأزمة وما قد تجره من انعكاسات سلبية، على استقرار تونس، وديمقراطيتها الطرية العود. أميركا وفرنسا طالبتا الرئيس بن سعيّد بضرورة العمل على عودة الدولة التونسية إلى «آدائها الطبيعي» بأسرع وقت ممكن. كما طالب الاتحاد الأوروبي بضرورة «احترام الدستور والمؤسسات».