د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

لبنان والجنرال والتعطيل

«مشكلة لبنان هي ميشال عون»؛ هذا ما انتهى إليه سعد الحريري بعد جولات ماراثونية تعدت العشرين من المفاوضات والحوارات مع الجنرال عون، ففي الزيارة العشرين إلى قصر بعبدا، وبعد أن رفض الرئيس عون التشكيلة الحكومية التي قدمها الحريري، اعتذر سعد الحريري وحمّل عون مسؤولية فشل التوافق بين القوى السياسية، قائلاً: «المشكلة أن الرئيس ميشال عون متحالف مع (حزب الله)، بينما المملكة العربية السعودية لم تقدم للبنان سلاحاً ولم تقم بـ7 أيار، فالسعودية أعطت السلام للبنان ولا تريد إلا الخير للبنان كما كل دول الخليج»، مؤكداً أنه لا توافق ممكناً مع عون و«حزب الله».
اصطفاف الرئيس عون مع «حزب الله» جعل من العملية السياسية في لبنان أكثر تعقيداً وصعوبة في إنتاج حل قابل للحياة في ظل التعنت المعروف في سياسة الحزب المسلح، كما أن هذا التحالف يعد مخالفة صريحة لاتفاق الطائف الذي جاء بعون رئيساً للبنان في 2016 رغم رفضه له في عام 1988، فاتفاق الطائف ضمن للطائفة المارونية التي يتحدر منها الجنرال عون منصب رئيس الجمهورية، كما ضمن للطائفة السنية منصب رئيس الحكومة، ومنصب رئيس البرلمان للطائفة الشيعية فيما عرف بالرئاسات الثلاث، وأي اصطفاف بين طرفين سيكون بالتأكيد موجهاً ضد الطرف الثالث.
الرئيس عون بمغازلته لـ«حزب الله» وضع رئاسة الجمهورية في أزمة اصطفاف غير مقبولة من الطرف الآخر الذي يرى أنه يجب أن يكون منصب رئاسة الجمهورية بعيداً عن أي اصطفاف، خصوصاً أنه في ظل وجود تحالف بين عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية السابق جبران باسيل، و«حزب الله» المسلح، فإن أي تسوية سياسية في لبنان تصبح رهينة للاحتكام للسلاح وليس للصندوق الانتخابي أو سلطة القانون، ما دام طرف من التسوية مسلحاً بسلاح وعتاد عسكري خارج سلطة الدولة.
ميليشيا «حزب الله» كانت دائمة التبرير لسلاحها، بحجة «المقاومة» التي لم تحقق شيئاً للبنان، سوى الدمار ولم تحقق سوى تصدير الإرهاب لدول الجوار اللبناني، ستتحمل تبعاته الدولة اللبنانية طالما أعلى سلطة في الدولة تعد «حزب الله» شريكاً سياسياً.
«حزب الله» حزب مسلح لا يأتمر بأمر الدولة، والدليل تدخله العسكري والعلني خارج حدود لبنان في سوريا والعراق واليمن وحتى في غزة وليبيا، الأمر الذي يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولية قانونية حيال ما يرتكبه «حزب الله» المسلح، باعتباره شريكاً سياسياً في السلطة في لبنان.
بعيداً عن الشعارات غير الواقعية التي أطلقها البعض مثل «إذا ما خربت ما بتعمر» أو التعبير على أن الحالة السياسية هي حالة «طلاق بالثلاثة» كما وصفته الصحف المقربة من «حزب الله»، تبقى الأزمة اللبنانية ليست في حالة رفاهية مع الوقت، خصوصاً في ظل وجود أزمة الجائحة وأزمة اقتصادية خانقة جعلت الليرة اللبنانية تتراجع أمام سعر صرف الدولار نحو ألف ليرة.
اعتذار الحريري جاء بعد عشرين زيارة لقصر بعبدا، ما يؤكد سياسة النفس الطويل التي انتهجها الحريري، مقابل التعنت والرفض والتعاطي برفاهية مع الوقت من قبل الطرف المعرقل للتشكيل الحكومي في قصر بعبدا والضاحية الجنوبية، بينما لبنان والبلد وكما قال الحريري في اعتذاره عن تشكيل الحكومة: «الله يعين البلد».